رقصة احيدوس عند قبيلة أيت وراين

0

نشر في: 13 نوفمبر  2019 / 21:00

ذ. محمد الهرنان:  كاتب وباحث في التراث

  • رقصة أحيدوس أيت وراين مركبة وصعبة في الممارسة:

إن لرقصة أحيدوس الورانية طابعا خاصا يميزها عن باقي الرقصات الأمازيغية الأخرى سواء كانت ريفية أو سوسية أو باقي الفرق بالأطلس المتوسط والاطلس الكبير والصغير. رغم بعض التقارب النسبي الحاصل بينها وبين بعض الفرق التراثية بإفران أو لقباب. هذا الانفراد مرتبط بطبيعة المعيش اليومي وبطبيعة اللهجة الوراينية المتجذرة داخل كيانهم.

إن العمق الغني لرقصة أحدوس الوراينية يعيد الدفء لكل ورايني قضى ليلة يغني للحياة ولجبال تاهلة الصامدة.

يسهل ضبط الرقصة نظريا حتى وإن كان لسان الشخص عربي لأنها تغري بجمالية منقطعة النظير لكن ممارستها جسديا تبدو صعبة وشاقة لكل شخص خارج عن تراب قبائل آيت وراين. فقط سكان هاته المنطقة هم الذين لهم القدرة على ممارستها من دون أي نقص حتى أن قبيلة آيت سغروشن وهي بجوار تاهلة اتخذت لنفسها رقصة خاصة أسمتها ” تاميدوليت” [1]

  • طريقة ممارسة أحيدوس عند آيت وراين:

إن الفريق المكون للرقصة يسمى “بالريف” من داخل الريف نجد فرقتين وهذا هو السائد فرقة تمثل لسان ناطق باسم قبيلة وفرقة ثانية تمثل قبيلة أخرى، الشيء الذي يخلق منافسة قوية بينهما لكن تحكمها روح فنية غنائية متسامحة رغم الهجو الذي قد يحصل بين الفرقتين أثناء الجدال الشعري.

تنطلق إحداهما آخذة المبادرة حيث يعمد سنة أو خمسة أشخاص إلى التغني بمقطع شعري طويل يسمى محليا ” إزلي ” هؤلاء المفترض أنهم يكونوا ذوي أصوات جهورية قوية يتم ترديد هذا المقطع مدة طويلة إلى أن يتم حفظه من طرف الباقي من دون استعمال البندير أو أي حركة.

بعدما تنتهي العملية الأولى ينتقلون إلى التغني بمقطع شعري يسمى ” أَلْغَا” وهو أقصر من إزلي السابق.

Û  نموذج: الْوَلْعَاتْ السالف ذِي اِرخِيتْ / مَثَلْنَاهْ لْرِيشْ انْعَامْ عَبَّا عَقْلِي.

المرحلة الثالثة تسمى أَهَاوَا: وهي ترديد لحن خاص ” بأَلْغَا ” كما لو أننا نعمل على تفعلة المقطع الشعري لكن صوتيا. أي باللحن هنا تعطى إشارة لتحريك البندير فتبتدئ الحركة فتسمع ضربات صعبة التتبع: طَنَّقَزْطَن ْ… طَنَّقَزْطَنْ… طنقزطن… يجسدها شخصان أو ثلاثة بالبندير بعدما تقف الفرقة كلها مشتبكة الأيدي لتبدئ الحركة أي الرقص الجماعي بعدما تنتهي تقوم الفرقة الثانية وعلى نفس الطريقة إلى أن تنتهي وهكذا.

أنواع الرقصات في فن أحيدوس الورايني:

عندما نتابع رقصات أحيدوس ونتابع عبرها حركات الجسد، نجدها لا تخلو من دلالات، وما يزيد في الكشف عنها الأسماء التي تطلق على كل رقصة مؤداة، توحي الأرجل الراقصة بأنها حصان ممتطى، وكل رقصة تحيل على لحظة من لحظات الزحف أو المواجهة. (المودن، ص: 224، 195).

  • رقصة الركبة (فود):

وهي رقصة سريعة الأداء، وكأننا أمام حصان يركض لمدة طويلة بنفس هذا الإيقاع السريع قد يؤدي إلى إرهاق الفارس ومطيته، لذلك يغير رقصته ليرقص على وثيرة أقل حدة كما سنبين خلال الرقصة الموالية.

  • رقصة استرح (روح):

يقصد بها استرح من الرقصة السابقة أو تمايل، وهي استعداد للحظة الحسم الموالية ونقصد بها رقصة “سيروجي”.

  • رقصة سيروجي:

وكما نفهم من تسميتها، تقوم على التقدم الخاطف نحو العدو والتراجع السريع إلى الخلف قصد إعداد الرجال بعد المعركة وتهيئهم لجولة جديدة، ومن بين ما يتطلبه كلب هجوم: التراص والتناسق بين حركات الفرسان أو الراقصين، الحفاظ على الموقع، (وهذه خطة حربية عرفت بها المقاومة المغربية سواء في الاطلس أو في الريف مع الزعيم عبد الكريم الخطابي)[2].

موضوعات الشعر الغنائي الورايني:

يتميز الشعر الغنائي عند قبيلة آيت وراين بتعدد وتنوع موضوعاته، يمكن أن نعرض لبعض منها على الشكل التالي:

يحتفظ الشعر الورايني بأحداث ووقائع يصعب العثور عليها في أماكن أخرى، فهو لا يتجاهل زعماء القبائل الذين واجهوا الاستعمار، وركبوا مخاطر الجبال والأدغال والمغارات. وعلى رأس هؤلاء المجاهد الكبير ” محند أحمو” الذي قال فيه الشيخ الوردي

مَلاَّ نْسَألْ التَّارِيخْ نْبًكْرِي

أتناف إبان أم إثري

ينغ يغرس زكري

يفتا العدو زكفري

يشهد يموت أوري يبغي أدْيكفر

هذه إشارات قوية إلى المقاومة المسلحة التي تزعمها المجاهد “محند أحمو”.

لنسمع لأحد الأشخاص المكفوفين في أحد القصائد، وهي قصيدة تؤرخ لحدث استشهاد أحد المقاومين بمطقة تاهلة، وهو المقاوم قدور أو عبدا لله أقروط الذي تزوج بالسيدة زهرة بنت قدور من قبييلة آيت علي، خلف منها الحاجة مريم بنت قدور، كان من المجاهدين، رفض الطاعة، وفضل المواجهة وركوب المخاطر، كلف في إحدى المرات هو وأحد زملائه من قبيلة آيت عسو، بإحضار المؤونة ليلا، فقتلا بأحد كهوف إفران، بعد التبليغ بهما للمستعمر، حوصرا بالكهف، رفضا الخروج وتسليم أنفسهما، وهناك أحضر المستعمر ومن معه الغاز، فأشعل النار بالكهف، أحرق قدور ومن كان معه، فنظم والده “سي عبد الله”‘ في حقه هذه القصيدة، التي تكشف عن موقف واضح من المستعمر، كمات تكشف عمق الحزن الذي ألم بالأب، بالعائلة وبالجيران، كما ينقل إلينا النص ظروف الاستشهاد والمقاومة كاختيار يرضي الذات، وهو اختيار للشهادة وللتضحية بذل الخضوع والاستسلام. إن اختيار الشهادة، هنا، أعظم من الحياة أعظم من السجن، كما أن الحياة لبا معنى بعد فقدان العزيز، فالمبدع يرى، أنه لو كان يتوقع ذلك الحدث لرافق الشهيدين لتكتمل الشهادة وكأن فعلهما لن يكتمل ما لم يستشهد بدوره.

فها نحن أمام شهادة لا مثيل لها، شهادة صادقة، لا تطلب شهودا ولا اعترافا من الغير، إنها نابعة من الأعماق، وصدقها تعبر عنه الكلمات الدالة لهذا النص، والحزن الذي يظهر على ملامح المنشد وهو يغني القصيدة، الشهادة.

“سول أيمينو، تنتانغ الحودجات ندونشت،

تبليتانغ أربي سيرومين

وسنن أربي مامشاش تسار إقدور إينو، ادودجار،

نزياس ينط أرومي سالكوم نس.

الفايدة دالموت أخ عولن، أورنين أدغرس يفغ،

ولا أداتفن لحبوس إيرومين

يوسد أمزان زي لبعيد، ننيي د قدور يوتف شال،

إينكد بباس أكد ودجارن.

أربي ممشام تسار أتليتماس، نزي تهزت خومام

تفيتين أميسيوي.

أراحغ أدساريغ، أرفييغ اكفد إينو ما ينهز،

نزيش فكرغ أقدور إينو، أيافغ إمندان، أفغ الخيرات نيي تييت،

أوريي يشقي شاي، أورنوفي لحروف النش.

أتيختينو ألالة يمة، مل عيلغ أدانغ سارنت،

أدليغ هودغ أكيدسن أنمت.

أعيشغ أزك، قيمغ نس أتاي، أوراس تحضرت أقدور إينو،

مش ادصيغ اوروشيغ،؟ أما ولا أركوبنش اخنغ أقدور إينو.

أديي تزرت، أتزرت أوماش،

يكور سييت أور إييوالف.

أوييسن هايا بو كرين إينو يا ممي، ما مش تليت اكنوال،

أورتنومت،؟ أربي ما نحيلة أنش.

شم أتسري، ونام يحضرن أدي شاب،

وخ يسول أرزومن، سوين أيربي سالخير نس.

تلولت أعمر دا غريب، بلا لحباب أنش،

أوردا عمتش، أدتالي سوم شلي غارش.

أيورجيغ إطا، آيت الغربين، نسغ إدسن،

موليد، ادش أيم سافرن، أيدير احن، أديد آفن، أهاييردن والو،

يا ربي ما نحيلة إيينو، أدينيغ أما أيليغ زي فايت.

زي يكر سيدي علي أديراح خوطارنس.

نزونت تعيالين د الصبيان نيقيمن، أديترو وزرو،

أما بنادم قاع يترو، أفتم ولا تفتمت، نزو نشم أو ونشت.

دكودم الربي، داالنبي أيا نغ إسار أويد،

اقطانطا نغ وولي، أكد أوييش، أورغري أقيمن،

غرإربي، أداس نغر أيكي دار إينو، أديكس أشريف إيولغم إينو أدسشالن”[3]

ليس هذا هو الموضوع الوحيد الذي تغنى به الشاعر الورايني، بل تغنى بالحياة وبالمرأة

وبالحياة وبالموت

Û  عن الاستعمار ونفي محمد الخامس يقول أحد شعراء آيت وراين:

أربي تعاون سيدنا فالكفار***لمغاربا ناضو فنهار

تونس الزعماء*** للجيري حطيت العار

ها الملك معمول بها يقد

سيدنا الخميس رجع منصور*** قاطع الويدان أو البحور

ها الطيارة جات الدور***عارة بالديسي والكور

ما تشوف لا حدادة ولا طوارق

كنا داخلين فكرش الحية***قطعنا لياس الدنيا

فكنا بنيوسف دغية***سيدنا جاب الحرية

هاب راسو ودخلت الرحمة على يد

اعمل ما اعمل سيدنا علي ***  جا الكنوس على التالي

ها المغرب بقا خالي***  وقع الأمن وحدو

ملكنا راه عمل جهدو*** خرج بلا خاطر لعدو

ها العرش تولى عندو*** دار الحكام على يد

واعمل حتى البير ودلحوازب

ربي عفى***واحناها يد ابغينا

Û  الجفاف – التفاوت الاجتماعي:

هاذ العام مبروك نقص جهدو ***والزرع غير على قدو

ها الفلاح وصل حدو *** واما المال شكون راقبو فالسوم

راها من الفول بدات*** انشوط فليالي مات

منع القشور فالحبات *** الباقي كاع ما مخدوم

كالوا الكمح دي مغرق ***فكل بلاصة تحرق

هذا عامنا 66 بهذل العشاق مع الزين *** زول الكوارج لبعطين،

كاع رجعوا فتالي*** راخيين القمقوم

هذا مول الأصل *** حتى هو حاصل

والوا ما صاب كيف يعمل ***  دبا تخطا إلى ايحش الدوم.

Û  القضايا القومية الإنسانية في الشعر الورايني:

إن أهم ما يميز كذلك الشعر الورايني كونه لا يقتصر على معالجة المشاكل والقضايا القبلية أو المحلية والوطنية بل يتعدى ذلك إلى المشاكل العالمية والقضايا القومية والإنسانية وهذه نماذج لبعض القصائد.

وحنا بنو آدم بغينا كاع فالسلام نعيشو

ايكو نشي وئام، الدنيا تزيد القدام

نعيشو بخير، ما ما نتقوشي فالصهيون

كل يوم تسمع مشروع، والموعرات بغير فايدة

راني مريض سبابي لهموم

لبنان ديال العلوم

كنشوفو ولى مهدوم

كل ليلة نسمع هجوم

بين العرب كثر الخصوم

والسلاح اللي صنعوه الروم.

ما  بقى ما تعجل يا ربنا فوجه الصبيان الصغار

فلسطين هي هم الدنيا

فاين القدس مبنية

كنحس بهذه الكية

ضاعت اليوم الحرية

مشات المدينة والقرية

فين صبرا، فين شاتيلا

افاين بيروت مذكورة في التاريخ[4]

Û المرأة ولادة الشعر الأمازيغي:

شكلت المرأة دورا أساسيا في الموضوعات الغزلية عبر تاريخ البشرية، والمرأة الوراينية لعبت دورا كبيرا في هذا المجال. حيث أن شعراء الفن الامازيغي عموما ينظمون القصائد الغزلية التي تتغنى بجمال المرأة وبقيمتها ودورها في المجتمع فهي المكافحة التي ساهمت بدورها في طرد الاستعمار وهي أيضا الزوجة التي كافحت من أجل زوجها وأبنائها وهي أيضا الأم التي ساهمت في تنشئة أجيال عديدة فهذا الحضور القوي لها يدفع بشعراء آيت وراين إلى إعطائها حصة مهمة داخل إبداعاتهم الشعرية

رقصة أحيدوس رقصة حربية:

إن مقاومة قبائل آيت وراين للمستعمر الفرنسي من سنة 1912- 1927 والتي عان فيها المحتل الأجنبي الويلات. أعطى للساكنة الوراينية قوة نفسية وبدنية في دحر الغزاة الشيء الذي انعكس إبان المقاومة على الحياة الفنية والإبداعية عند أمازيغ بني وراين وبعض الاستقلال وإلى يومنا هذا لازالت فرق أحيدوس الورايني تبرز طابعها الحربي وخصوصا في الجانب الاحتفالي أي عبر طقس أحيدوس.

فالطابع الحربي حاضر بقوة في رقصات حوض إيناون لكون الرحالة الأوربيين الذين زاروا منطقة تازة – فاس في نهاية القرن التاسع عشر قد أبرزوا طبيعة هذه القبائل الحربية.

1- من مقال هرنان محمد الأحداث المغربية 6/7 نونبر 1999، صفحة فنون تحت عنوان رقصة أحيدوس عند قبيلة آيت وراين.

2- عبد الله هرهار: اثنولوجيا الشعر الأمازيغي: ذاكرة تجربة غنائية راقصة، منشورات مرايا 2013 ص 106.

– د الله هرهار، مرجع سابق، ص 99.[3]

4- عبد الله الهرهار، جريدة المنظمة: الطريق إلى الذاكرة الجماعية للقبيلة حالة قبائل آيت وراين (تاهلة)، العدد 957، ربيع الثاني 1421 الموافق 30-31 يوليوز 2000

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!