تهريب المنتخبين و تحقيق الوعي الديمقراطي

0

محمد العوش

تعرف الساحة المغربية بعد الإنتخابات الأخيرة حالة إفراغ شبه كلي للمدن و القرى من مستشاريها المنتخبين ، غيابا ليس قسريا أو بسبب حالة “الزهايمر” ، و لكن بغاية وضعهم في أماكن خاصة ، داخل فنادق خمس نجوم مع ضمان كل ما تشتهيه النفس مما لذ و طاب ، الحلال منه و الحرام ، و كل اللوازم الممكنة ليحلى المقام ، كضمان ولاء ليوم الحساب .
الأمر هنا لا يتعلق باختفاء قسري أو إختطاف أو إحتجاز سري أو إعتقال في نصف الليل غير مصرح به من قبل جهات مجهولة تخدم مصالح مؤسسات رسمية بشكل مباشر أو غير مباشر ، وفق ما التحديد الأممي لهاته الأنواع من الحالات .
بل إننا أمام نموذج نخبوي مغربي مسؤول عن هذا الإختطاف الإرادي ، الذي يحمل معه كل ضمانات حسن الإستقبال و توفير كل شروط الإقامة و الكرم المعروف به المغاربة مقابل ضمان الولاء يوم الحساب في صناديق تحديد الرؤساء و النواب ، أي ضمان الولاء الكامل و الشامل لهؤلاء “المخطوفين” لأنه كما يقول المثل المغربي “لا ثقة في المخلقة” و لو بالضمانات الكلامية أو الشيكات ، و المعمول بها في السوق الإنتخابي ، وضع ينعكس حتى على الأسر التي لا تكون على علم بمصير أفراد أسرتها الفائزين في الإنتخابات و المتوارين عن الأنظار ، كما هو حال مستشارة مراكش التي تتساءل عائلتها عن مصيرها بعدما اختفت منذ فوزها في الإنتخابات الجماعية ، و فشل العائلة في التواصل معها لأن هاتفها مغلق ، كما نقل محمد الغلوسي ، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام .
أمام هاته الحالة هل سنكون أما حالة اختطاف يستلزم تحريك القوانين الوضعية الوطنية أو الدولية ، و اعتماد المواثيق الدولية ذات الصلة في التعامل مع هاته القضايا ضمانا لحماية جميع الأشخاص من هذا النموذج من الإختفاء ؟ .
إن الأمر ليس إلى هذا الحد فالمطلوب من الدولة المغربية التي هي جزء من المنظومة الكونية المدافعة عن حقوق الإنسان ، التعاطي بصرامة مع هذا النموذج المرضي الذي ينخر جسد الأمة و يحول دون تحقيق نهضتها الشاملة و يضرب كل تطور مجتمعي و مؤسساتي يجب أن يقوم على مبدأ تكافؤ الفرص و الكفاءة و الروح الوطنية ، لا على “عطاءات الشكارة” و هباتها و فخامة أعطياتها في فنادق خمس نجوم .
إن الاختفاء القسري يعتبر جريمة ضد الإنسانية ، وفق القانون الدولي ، فيما هذا النمط من الاختطاف يعتبر تكسيرا لعرف الديمقراطية و تأثيرا بقوة التغييب و المنح على إرادة فردية و تزويرا في المحصلة لإرادة شعبية ، و هو ما يستوجب التعامل معه بصرامة و التصدي له بأقسى العقوبات التي تصل حد الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية ، مساهمة في البناء الشامل و التربية على قيم المواطنة و الحقوق و الديمقراطية تحقيقا للأمن بمفهومه الشامل .
العديد من الهيئات الحقوقية تلمست خطورة الحالة و استنكرتها ، إذ أدانت هاته الهيئات قيام بعض الأحزاب السياسية مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن النتائج الانتخابية للاستحقاقات الجماعية الأخيرة بتهريب مجموعة من المنتخبين و المنتخبات إلى مدن بعيدة و “احتجازهم” في منتجعات سياحية إلى حين موعد انتخاب الرئيس و نوابه .
مشيرة إلى أن هاته الأحزاب تعمد إلى تحصين هؤلاء المستشارين الذين يزنون ذهبا و منعهم من التنسيق الانتخابي مع الأحزاب السياسية المنافسة على كرسي الرئاسة بالجماعات الحضرية و القروية .
محمد الغلوسي ، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام ، اعتبر الأمر تجسيدا لهشاشة النخب الحزبية و ضعفها و التي ساهمت بسلوكها الهجين هذا في تسليع العمل السياسي و جعله مجالا للتجارة و السمسرة ، مضيفا أن هؤلاء المستشارين هم “رهينة” في يد بعض “شناقة و سماسرة الانتخابات ، منتخبون يرون في الانتخابات مجرد حرفة لتحقيق المصالح و الحصول على امتيازات خاصة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!