الاخبار 24: مليكة بوخاري
لا تزال الطفولة رغم الدعوات الدولية لحماية حقوق الإنسان، في عدد من مناطق النزاع رهينة بممارسات شنيعة ترتكبها جماعات مسلحة تحت غطاء سياسي أو أيديولوجي، وفي هذا السياق، تبرز معاناة الأطفال المجندين قسرا في مخيمات تندوف، الخاضعة لسيطرة مليشيا البوليساريو، كأحد أكثر الأمثلة فظاعة على الانتهاك الممنهج للقانون الدولي الإنساني، وتمثل هذه الظاهرة وجها صارخا من وجوه الإفلات من العقاب في منطقة الساحل والصحراء، حيث يزج بالأطفال في الصراع كوقود للحرب وأدوات للدعاية، في غياب منظومة رقابية فعالة وآليات مساءلة تضمن الحد الأدنى من الحماية القانونية.
صوت إفريقيا بالأمم المتحدة
إحتضن قصر الأمم في جنيف، في سياق فعاليات الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تظاهرة حقوقية موازية بعنوان “حقوق الإنسان في إفريقيا”، نظمتها مؤسسة Elizka Relief Foundation بشراكة مع منظمة MAAT للسلام والتنمية وحقوق الإنسان. ورغم طابعها غير الرسمي، شكلت الفعالية منصة مؤثرة جمعت نخبة من النشطاء، الأكاديميين، وممثلي منظمات المجتمع المدني من مصر والمغرب، بهدف تسليط الضوء على القضايا الحقوقية المنسية في القارة الإفريقية، وعلى رأسها الانتهاكات التي تطال الأطفال في مناطق النزاع، وقد تجاوز اللقاء حدود التنديد، ليكتسب بعدا تربويا وتكوينيا من خلال انفتاحه على طلبة جامعة جنيف، الذين شاركوا بفعالية في النقاشات في إطار برنامج أكاديمي ميداني، يهدف البرنامج إلى تمكين الجيل الصاعد من المدافعين عن حقوق الإنسان من فهم آليات الأمم المتحدة، وتعزيز قدراتهم في رصد وتوثيق الانتهاكات داخل سياقات النزاع المسلح، بما يسهم في بناء وعي حقوقي عابر للحدود.
توثيق حقائق لإنتهاكات نتدوف
استعرضت المداخلات خلال الفعالية الحقوقية حالات موثقة وأدلة دامغة حول الانتهاكات التي تطال حقوق الأطفال في مخيمات تندوف، حيث تتكرر وقائع التجنيد القسري، والحرمان من الحرية، والعيش في ظروف إنسانية متدهورة. وهي ممارسات أثبتتها تقارير حقوقية مستقلة، وتشكل خرقًا صارخًا لمقتضيات القانون الدولي، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف، واتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكول الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، قدم الحقوقي عبد القادر الفيلالي، رئيس مركز الوقاية من تجنيد الأطفال بالداخلة، عرضا مفصلا حول عمل المركز في توثيق هذه الانتهاكات، وفضحها أمام الهيئات الدولية، مؤكدًا الحاجة إلى تحرك دولي أكثر حزما، يشمل فرض رقابة فعلية على الأوضاع داخل المخيمات، ورفع العزلة الحقوقية عنها، من أجل وضع حدّ لهذه الممارسات الممنهجة التي تنتهك أبسط حقوق الطفولة.
طفولة في قبضة أجندات سياسية
لا يمكن اعتبار تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف مجرد خرق عابر للقانون الدولي، بل هو ممارسة ممنهجة ذات خلفيات سياسية وأيديولوجية، توظف فيها الطفولة كأداة في صراع طويل تتصدره جماعة مسلحة تدّعي تمثيل سكان المنطقة، بينما تحرم الآلاف منهم من أبسط حقوقهم في التعليم، وحرية التنقل، والعيش الكريم. هذا الواقع المأساوي يطرح أسئلة ملحة حول مسؤولية الدولة الجزائرية، بصفتها الدولة المضيفة، إزاء الانتهاكات الجسيمة التي ترتكب داخل أراضيها من قبل البوليساريو، خاصة في ما يتعلق باستخدام القاصرين كدروع بشرية وأدوات دعاية، وفي مواجهة هذا الوضع، برز خلال الفعالية الحقوقية الأخيرة تحالف لافت بين منظمات المجتمع المدني المغربي والمصري، يعكس تحولا نوعيا في مقاربة القضايا الحقوقية في إفريقيا، فلم تعد هذه الانتهاكات تُعالج كملفات محلية أو معزولة، بل أضحت موضوعًا لتنسيق إقليمي ودولي، يقوم على مزيج من التكوين والتوثيق والترافع داخل الأطر متعددة الأطراف، ويؤكد هذا التنسيق أن المجتمع المدني بات فاعلا استراتيجيا في صياغة الخطاب الحقوقي الدولي، وفي الدفع نحو مقاربات أكثر عدالة وإنصافًا لقضايا القارة.
طفولة مستباحة بتندوف
يبرز استمرار الانتهاكات الجسيمة التي تطال الأطفال في مناطق النزاع، وعلى رأسها ظاهرة التجنيد القسري، الحاجة الملحّة إلى تحرك دولي حازم يتجاوز لغة الإدانة إلى خطوات ملموسة. فالمنتظم الدولي مدعو اليوم إلى إعادة ترتيب أولوياته، وتعزيز آليات المساءلة الدولية، بما يشمل توفير الحماية الفعلية والعاجلة للأطفال في بؤر التوتر. وتشمل هذه الخطوات إيفاد لجان تقصّي الحقائق، وممارسة رقابة أممية صارمة على أوضاع المخيمات، وربط المساعدات الإنسانية باحترام صارم لمبادئ حقوق الإنسان، وختاما للفعالية، اتضح جليا أن قضية تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف لم تعد من الملفات المسكوت عنها، بل باتت تحظى بزخم حقوقي متنامٍ وإرادة مدنية عابرة للحدود، هدفها استرداد الحقّ الأول والأبسط لكل طفل: أن يحيا طفولته في أمان بعيدًا عن منطق الحرب.
إرسال تعليق