التطرف يبطل مفعول حالة الطوارئ

0

تفاجأ العديد من المتتبعين (بالمظاهرات) التي خرجت بمدن طنجة، فاس.. ليلة السبت 21 مارس 2020، أي بعد يوم واحد من فرض حالة الطوارئ الصحية ببلادنا، عقب قرار اتخذ يوم الخميس ودخل حيز التنفيذ عشية الجمعة، وهو قرار انضاف لمجموعة من الإجراءات التي اتخذها المغرب لمواجهة وباء “كورونا” المستجد، والتي وصفتها كبريات الصحف العالمية بالجريئة، إذ ذهبت صحيفة إلباييس الاسبانية إلى القول بأن المغرب فضل التضحية باقتصاده مقابل سلامة شعبه.
وقد عبر المواطنون عن غضبهم عقب هذه الخرجة غير المحسوبة لقلة قليلة من سكان مدن طنجة، فاس.. وهو سخط مشروع ناجم عن تخوف المغاربة من انتشار فيروس “كورونا” المستجد، حيث ذكَّرت العديد من التدوينات بكون مظاهرة النساء بمناسبة عيدهن الأممي بإسبانيا في ثامن مارس الجاري كانت سببا في تفشي هذا الوباء في هذا البلد الايبيري الذي أصبح يحتل الرتبة الرابعة عالميا بعد الصين وإيطاليا وإيران من حيث عدد الوفيات التي يحصدها فيروس “كورونا”. وفي مقابل هذا السخط العارم، كانت هناك العديد من التدوينات التي وضعت مصلحة الجماعة فوق مصلحة الدولة، وراهنت بحياة جميع المواطنين المغاربة، حينما دافعت عن خطوة التهليل الجماعي في مقابل التصفيق العلماني، بل ومتهمة المخزن بتسخير بلطجية من أجل التشويش على دعائها المستجاب.
يصعب فعلا فهم هذه الثنائية الغير متوازنة، والتي نجهل حقيقة طرفيها باختلاف الزمن وزوايا نظرنا إليها، فمن الناحية الواقعية يسود إجماع وطني تام على ضرورة الوحدة والتضامن والتكافل في مواجه وباء “كورونا” المستجد، خصوصا في ظل محدودية إمكانيات منظومتنا الصحية، وبدأت كل شرائح المجتمع في المساهمة في صندوق “كورونا” المحدث لمواجهة هذه الجائحة بما فيها فئة المعتقلين والسجناء، وعبرت كل القوى الحية في المجتمع المغربي عن انخراطها في معركة الوطن لمواجهة الأزمة التي وصفتها رئيسة ألمانيا أنجيلا ميركل بالأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن في مقابل هذه التضحيات الجسام، ظهرت خفافيش الظلام التي سعت وتسعى لكسب مآرب أخرى، غير أنه من غير الصواب حصر مسؤولية ما حدث في المجموعة التي تظاهرت في مشهد يثير السخرية ضد وباء “كورونا”، أو تحميل المسؤولية لجماعة معينة، أو لداعية ما، فالوضع أعقد مما نتصور، والتطرف أكثر انتشارا من فيروس كوفيد19..
سكن الفكر المتطرف فئات عريضة من المجتمع المغربي، وظهرت ملامحه حينما ضرب الإرهاب المغرب أكثر من مرة، من أحداث أطلس اسني بمراكش سنة 1994، مرورا بتفجيرات 16 ماي 2003 والأحزمة الناسفة في 11 مارس و14 أبريل 2007 بالدار البيضاء، ووصولا لأحداث أركانة بمراكش في 2011، وذبح السائحتين الاسكندنافيتين بمنطقة “شمهروش” سنة 2018. وعلى امتداد هذا التاريخ الدموي الذي كلف المملكة خسائر بشرية واقتصادية وسياسية، عمد المغرب إلى مراقبة المجال الديني ونشر قيم التسامح، وتشديد الآلة الأمنية والاستخباراتية، ولكن رغم كل هذه الجهود التي قللت من العمليات الإرهابية، ظل الفكر المتطرف مستشريا بين معظم فئات المجتمع المغربي، في غياب إصلاحات حقيقية تهم منظومة التعليم والمنظومة القانونية والحقوقية.. ، وهي الإصلاحات التي تعرقلها القوى المحافظة وقوى الإسلام السياسي التي قبلت مرغمة العمل المؤسساتي، في تنسيق عضوي مع بعض الجماعات المتطرفة، يظهر بشكل جلي في كل المحطات التي تسمح لها باستعراض عضلاتها.
وفي هذا السياق، تتضح معالم الوجه الآخر لاجماع خفي ينتمي لتنظيمات وتيارات وأحزاب مختلفة، يُجمع على وأد المدنية، ومحاربة كل محاولة تفكير حرة، ينشط يوميا عبر مواقع التواصل الإجتماعي ويقوم ببعث رسائل مشابهة ل”جمعة مباركة”، والدعوة إلى التهليل الجماعي في زمن “كورونا”، وسريا يلعن إجراءات الدولة، ويستشهد مثلا بتأخر وصول وباء “كورونا” إلى غزة المحاصرة، ولكن سرعان ما يختفي حجمه بعد انقضاء الحدث أو تنفيذ العملية، على غرار ما حدث بعد خروج مظاهرات طنجة، فاس.. ضد فيروس “كوفيد19″، ففي الوقت الذي تبنى فيه البعض المظاهرات ودافع عن شرعيتها، تأسف بعض مكونات هذا المجمع، واكتفى بالتنديد بما جرى، مستعملا عبارات لا تخرج عن إطار محاولة تليين رد فعل المخزن، وإظهار الوسطية في الخطاب، والأهم من ذلك نفي مسؤوليتها عما جرى.
ومهما يكن رد فعل الدولة، وما ستقدم عليه السلطات المغربية في هذه اللحظات الحرجة، فقد اختار الفكر المتطرف، والذي نتحمل عنفه الرمزي يوميا، أن يضرب المغرب مرة أخرى، وفي مدن متعددة، واختار زمن فيروس “كورونا”، الذي قد يساعده (لا قدر الله) على إيصال مفعول هذه الهجمة لمناطق شاسعة سبق وأن كانت مجالا لهجماته الجبانة بوسط وجنوب البلاد.
خلاصة القول، ما وقع بطنجة وفاس.. ليس بحدث عرضي، ولا بحالة معزولة، إنه مركب كبير من الانتهازية والاسترزاقية والجهل والفقر، يشتغل يوميا على مدار السنة، ويستغل أنصاف الفرص للاستقواء على الدولة، وخدمة مصالحه الضيقة، ولو في مرحلة عصيبة تستدعي تكاثف جهود جميع مكونات المجتمع المغربي الذي يوجد في مرحلة فارقة، وهو يواجه هذه الجائحة العالمية.
عبد العزيز بودرة عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!