ندوة سياسية بتازة تناقش غلاء الأسعار بين العوامل الموضوعية والقرارات الحكومية
ندوة سياسية بتازة تناقش غلاء الأسعار بين العوامل الموضوعية والقرارات الحكومية
نظّمت الكتابة الإقليمية لحزب التقدم والاشتراكية بمدينة تازة ندوة سياسية بعنوان “غلاء الأسعار بين العوامل الموضوعية والقرارات الحكومية”، حضرها عدد كبير من المواطنين والفعاليات المجتمعية، خاصة من فئة الشباب، في إطار جهود الحزب لتعزيز النقاش السياسي وإحياء العمل الحزبي الجاد.
في كلمته الافتتاحية، أكّد الكاتب الإقليمي للحزب، السيد رضوان زريول، أن الحزب أخذ على عاتقه مسؤولية خلق فضاءات للنقاش السياسي، خاصة بعد السنوات الأخيرة التي شهدت عزوفًا عن المشاركة السياسية، مما أدى إلى فراغ ملأته الوسائط الاجتماعية. وأضاف زريول أن مثل هذه الندوات واللقاءات تساهم بشكل كبير في إعادة الحياة إلى الساحة السياسية والحزبية، وأن الحضور المكثف للندوة يُظهر بوضوح الاهتمام المتجدد بالعمل السياسي الجاد.
وأشار زريول إلى أن الحزب على المستوى الإقليمي لا يقتصر على المشاركة في المحطات الانتخابية فحسب، بل يسعى أيضًا للتفاعل والمشاركة في النقاشات السياسية الدائرة، بهدف استعادة الثقة في العمل السياسي النبيل. وأوضح أن هذا التوجه ينسجم مع المخطط الإقليمي الذي صادق عليه مجلس فرع الحزب في دورته الأخيرة، وذلك تماشيًا مع الدينامية التي يشهدها الحزب على المستوى الوطني.
وفيما يتعلق بموضوع الندوة، شدد الكاتب الإقليمي على أن الحزب يحرص على تبني مقاربة القرب من المواطنين، وأن مناقشة القرارات الحكومية تأتي انطلاقًا من كون أعضاء الحزب مواطنين قبل كل شيء، معبرًا عن حرص الحزب على الموازنة بين الدفاع عن مصالح الساكنة والانخراط في النقاش السياسي المسؤول.
من جهته، أكد النائب البرلماني أحمد العبادي على حساسية الموضوع، مشيراً إلى أهمية النقد البنّاء للقرارات الحكومية. وقال العبادي: “نحن نصفق للقرارات الصائبة، لكن من واجبنا كمعارضة تقييم وانتقاد تلك التي تستوجب المراجعة”.
وتساءل العبادي عن الأسباب الحقيقية وراء غلاء الأسعار، قائلاً: “هل يعود الأمر إلى الجفاف، أم جائحة كورونا، أم الحرب الأوكرانية، أم أن هناك أسباباً أخرى خفية؟”.
وأشار النائب إلى الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية لعام 2021، حيث وصف الأجواء آنذاك بالتفاؤل الكبير بعد فوز الأغلبية الحكومية الحالية. إلا أنه أبدى أسفه من تبخر أحلام المواطنين مع مرور الوقت، بعدما وضعوا ثقتهم في الحكومة التي أخلفت وعودها، مضيفاً: “لقد مضت فترة من عمر الحكومة دون أن نلمس تنزيل البرنامج التنموي المتفق عليه بعد مشاورات واسعة”.
وفي سياق متصل، تساءل العبادي عن مدى استجابة قوانين المالية لمحاربة غلاء الأسعار، معتبراً أن الحكومة الحالية قد تسهم في القضاء على الطبقة المتوسطة. وأوضح أن قوانين المالية التي قدمتها حكومة عزيز أخنوش لا تختلف عن سابقاتها، حيث غابت الحلول المبتكرة وبرز ضعف الكفاءة الحكومية، مما أدى إلى تدهور وضع الطبقة المتوسطة وتحولها إلى طبقة فقيرة.
وعن الإصلاحات الضريبية التي أقرتها الحكومة، مثل الضريبة على الشركات والقيمة المضافة، أشار العبادي إلى أنها لم تخدم الفئات الفقيرة بل زادت من ثراء الطبقة الغنية. كما انتقد سياسات الاستثمار العمومي التي وصفها بغير العادلة مجاليًا.
واختتم العبادي مداخلته بالتطرق إلى الإحصائيات المقلقة حول إفلاس الشركات في عهد حكومة أخنوش، وارتفاع معدلات البطالة والأمية وتدهور مستوى عيش الأسر المغربية، مؤكداً أن كل هذه المؤشرات تدل على فشل الحكومة في قراراتها الاقتصادية والاجتماعية.
انطلق عزوز الصنهاجي عضو الأمانة العامة لحزب التقدم والاشتراكية، في مداخلته من القرار الذي جاء به قانون المالية لسنة 2025، والذي يستهدف خفض التضخم وبالتالي المساهمة في انخفاض الأسعار. إلا أن توصيات المندوبية السامية للتخطيط، باعتبارها مؤسسة دستورية، كشفت عن مغالطات في الأرقام الحكومية، حيث أشارت إلى ارتفاع المواد الأساسية بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة بسنة 2021، وهي السنة التي شهدت بداية ولاية الحكومة الحالية.
ورداً على التبريرات الحكومية التي تربط غلاء الأسعار بعوامل خارجية، مثل الجفاف وجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، أشار الصنهاجي إلى أن الاقتصاد العالمي عرف نوعاً من الانتعاش، إلا أن الوضع الداخلي في المغرب ازداد تفاقماً. ورغم تحسن الأسعار على المستوى الدولي، استمرت الأسعار في الارتفاع محلياً بفعل “تجار الأزمة”، الذين استغلوا الوضع لرفع أسعار بعض المواد الحيوية، مشيراً إلى أن عدداً من هؤلاء المضاربين تجمعهم علاقات مع الحكومة، مما أدى إلى تعايش المواطن المغربي مع الغلاء كأمر واقع.
وانتقد الصنهاجي رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي يعزو المشاكل الحالية إلى إرث الحكومات السابقة، متناسياً أنه كان جزءاً من تلك الحكومات كوزير للفلاحة ومسؤول عن مخططات مثل “المغرب الأخضر” و”الجيل الأخضر”. وتساءل الصنهاجي عن مدى نجاعة هذه المخططات، خاصة مع الاعتماد المتزايد على الاستيراد لتلبية احتياجات المغرب من المواد الحيوية كالحبوب واللحوم. وأشار إلى أن سنة 2023 شهدت واردات بقيمة حوالي 69 مليار درهم، مقابل صادرات بلغت 77 مليار درهم.
وتطرق الصنهاجي أيضاً إلى مشكلة البطالة، مسلطاً الضوء على ارتفاع نسبتها بين الشباب إلى 36.7%، بينما بلغت النسبة العامة 13.3%.
وفيما يتعلق بعلاقة الحكومة بالمضاربين، كشف الصنهاجي أن الدعم الحكومي المخصص بين 2022 و2024، الذي شمل تخفيض الضرائب ودعم الاستيراد، استفاد منه 277 شخصاً بقيمة إجمالية بلغت 13 مليار درهم. وفي المقابل، انتقد تخفيض دعم الأرامل من 1200 درهم إلى 500 درهم، معتبراً ذلك تناقضاً مع الشعارات الحكومية التي تتغنى بدعم الفئات الهشة.
واختتم الصنهاجي مداخلته بالدعوة إلى تعزيز الشفافية والمحاسبة، مشدداً على ضرورة وضع سياسات عادلة تضع مصلحة المواطن المغربي فوق كل اعتبار.
واختتمت الندوة بنقاش مفتوح مع الحضور، حيث تم طرح مجموعة من الأسئلة والمداخلات التي أثرت النقاش وساهمت في توضيح الرؤى حول تأثير غلاء الأسعار على الحياة اليومية للمواطنين، والدور الذي يمكن أن تلعبه القرارات الحكومية في التخفيف من هذا العبء.