فاطمة جابري: مسيرة من العطاء لتمكين المرأة القروية بإقليم تازة
فاطمة جابري: مسيرة من العطاء لتمكين المرأة القروية بإقليم تازة
تاهلة: الإخبارية 24- تازاسيتي
على مدى 18 عامًا، كرّست الفاعلة الجمعوية فاطمة جابري حياتها لدعم النساء والفتيات في العالم القروي، ساعية إلى تمكينهن اقتصاديًا واجتماعيًا. من خلال عملها الدؤوب والمستمر، لم تقتصر جهودها على تقديم المساعدة، بل سعت إلى إحداث تغيير حقيقي ومستدام في حياة النساء القرويات، عبر مشاريع تنموية متعددة تهدف إلى تعزيز استقلاليتهن وتحسين ظروف معيشتهن.
وُلدت فكرة العمل الجمعوي لدى فاطمة جابري منذ 2005، عندما عايشت عن قرب المعاناة التي تواجهها النساء الحوامل في قريتها، خصوصًا فيما يتعلق بصعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية وارتفاع معدل وفيات المواليد. هذه التجربة دفعتها إلى اتخاذ خطوة جريئة بالعودة من مسقط رأسها وجدة إلى جماعة مطماطة بإقليم تازة، حيث قررت العمل على تأطير النساء القرويات، ومرافقتهن خلال فترات الحمل، إما بالتوعية أو بتسهيل حصولهن على الرعاية الطبية اللازمة.
لم يكن الطريق سهلاً، لكن بإصرارها وعزيمتها، استطاعت فاطمة جابري سنة 2007 تأسيس جمعية المبادرة الوطنية للتنمية والنهوض بالمرأة القروية، والتي ركزت في بداياتها على تقديم الدعم الصحي للنساء، خصوصًا في مجال الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة. وسّعت لاحقًا أنشطتها لتشمل مجالات أخرى مثل التكوين المهني، التمكين الاقتصادي، والتربية غير النظامية.
نجحت في تكوين شبكة من 300 متطوعة موزعات على مختلف جماعات دائرة تاهلة والجماعات المجاورة، مما مكّن الجمعية من الوصول إلى عدد أكبر من المستفيدات، وتأطيرهن بطرق أكثر فعالية.
بفضل جهودها المتواصلة، تمكنت فاطمة جابري من المساهمة في إنجاز العديد من المشاريع التنموية التي استهدفت النساء والشباب في إقليم تازة، وخاصة بدائرة تاهلة. شملت هذه المشاريع مجالات مختلفة:
التوعية الصحية: تنظيم حملات توعوية حول الصحة الإنجابية، والتغذية السليمة، وأهمية متابعة الحمل، بمساعدة أطباء ومختصين.
التمكين الاقتصادي: توفير دورات تدريبية لمساعدة النساء على تطوير مشاريع مدرة للدخل، وتعليمهن مهارات في مجالات مثل الحياكة، الفلاحة، وتربية المواشي.
التكوين المهني: تقديم تكوينات في مجالات الفندقة، الحلاقة، الطبخ، الحلويات، والمعلوميات، مما ساهم في تأهيل العديد من الشباب والفتيات لدخول سوق الشغل.
التربية والدعم المدرسي: عقد شراكات مع المؤسسات التعليمية لتنفيذ برامج دعم مدرسي، بالإضافة إلى برنامج الفرصة الثانية الذي مكن أكثر من 100 تلميذ وتلميذة من متابعة دراستهم بعد الانقطاع.
في حديثها لجريدتي الإخبارية 24 وتازاسيتي، أشارت فاطمة جابري إلى التحديات التي واجهتها خلال مسيرتها التطوعية، وأبرزها غياب الوعي بأهمية العمل الجمعوي والتنموي في بعض الأوساط، وصعوبة إقناع الأسر القروية بضرورة تعليم الفتيات وتأهيلهن لمستقبل أفضل. رغم ذلك، لم تتراجع عن مسارها، بل عملت على تعزيز شراكات مع عدة مؤسسات وطنية ودولية، منها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مما ساهم في توسيع أنشطة الجمعية وزيادة عدد المنخرطين إلى 6000 شخص.
في إطار توسيع أنشطتها، تستعد الجمعية لإطلاق مركز متعدد التكوينات بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التعاون الوطني، مجلس جماعة تاهلة، والمديرية الجهوية للصناعة التقليدية. ومن أبرز أهداف هذا المركز:
محو الأمية المعلوماتية للنساء القرويات، من خلال تعليمهن أساسيات البرمجة، وإنشاء المواقع الإلكترونية، والتجارة الرقمية، مما سيمكنهن من الاستفادة من فرص عمل حديثة.
تقديم تكوينات مهنية متطورة، تشمل مجالات جديدة لمواكبة متطلبات سوق الشغل.
تطوير قدرات الشباب والنساء، عبر ورشات تهدف إلى تعزيز المهارات الشخصية والمهنية.
تعتبر فاطمة جابري أن نجاح هذه المشاريع والمبادرات لا يقتصر فقط على تحسين أوضاع النساء القرويات، بل يمتد ليكون حافزًا لأجيال المستقبل، بما في ذلك أبناؤها الثلاثة وأحفادها الأربعة، الذين يدعمون مسيرتها التطوعية ويستلهمون منها قيم العطاء والمثابرة.
بهذا العطاء المستمر والتفاني في العمل الجمعوي، تُعد فاطمة جابري نموذجًا للمرأة المغربية التي استطاعت، رغم التحديات، أن تصنع فارقًا حقيقيًا في حياة النساء القرويات، وتساهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا وعدالة.