بقلم محمد العوش
حينما أشار جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى 62 لثورة الملك والشعب ، إلى أن التصويت أمانة ثقيلة ، وعلى المغاربة أداؤها ، فهو كان يعي خطورة المرحلة و الرسالة الواجب التقيد بها و اتباعها لرسم معالم مغرب الغد ، مغرب المؤسسات و الدستور ، داعيا جلالته إلى تغيير طريقة التسيير اليومي للأمور ، بدل تكريس الوضع القائم ، “جيدًا كان أو سيئًا” ، كما قال جلالته ، موضحا أن الهدف من الانتخابات يجب أن يكون “خدمة المواطن فقط” ، و أن المواطن عليه أن يوظف سلطة “الصوت” الانتخابي للحفاظ على مصالحه ، وحلّ بعض مشاكله ، و محاسبة و تغيير المنتخبين” .
خطاب حمل أكثر من دلالة و وضح الأسس العامة التي ينبغي أن يكون عليها مغرب الغد بجميع مكوناته ، و خاصة فئة الشباب و الشابات ، مقاربا بذلك أهم الإشكالات التي يعاني منها المشهد السياسي المغربي بعد الإصلاحات و محاربة الاختلالات المسجلة أثناء هاته العملية لإفسادها ، ألا و هو عزوف الشباب عن المشاركة فيها ، و التصويت أثناء فترة العمليات الانتخابية ، حيث لا يشارك في التصويت إلا 1 في المائة من الشباب البالغين لسن التصويت .
و السؤال المطروح هو ، ما العمل لتفادي هاته السكتة القلبية ؟
الأكيد أن المطلوب هو القيام بثورة شاملة ، خاصة في صفوف الأحزاب لتجاوز هذا الوضع القاتل ، علما أنها تساهم فيه بشكل كبير ، إضافة إلى الصرامة في إقرار الحكامة المالية ، و عقلانية التدبير ، و ضمان ممارسة ديمقراطية سليمة ، و الاحتكام إلى التصويت لحسم الخلافات ، و الانضباط لقرار الأغلبية ، و تجاوز منطق ترويج التزكيات الذي أصبح لغة التداول في السوق الانتخابية حتى على صعيد هاته الاستحقاقات المنتظرة ، و المصاحبة لعملية الترحال الحزبي الذي ينشط إبان كل حملة انتخابية . إن المطلوب هو ممارسة النقد الذاتي باستمرار ، و إنهاء منطق صناعة “الآلهة” داخل هاته التنظيمات السياسية ، و تكريس سياسة القرب و بدون توقف لخدمة مصالح المواطنين ، و المصلحة العليا للوطن ، عوض السائد الآن كمنطق ، أي القرب أثناء العمليات الانتخابية فحسب ، و لن يتأتى ذلك إلا بإعطاء الأطر و الكفاءات التي تزخر بها الأحزاب و البلاد ، فرصة لإبراز ذاتها في مجال التدبير و التسيير و الممارسة السياسية .
فهل استطعنا تهييئ أنفسنا لهاته اللحظة المفصلية في مسار تطورنا السياسي و المؤسساتي ؟
أكيد أن المشاورات السياسية بين وزارة الداخلية و الأحزاب السياسية تحضيراً لانتخابات 2021 مطلوبة ، لكن المنتظر أكثر ليس هو ما ستحمله من تصورات نظرية ، و لو أنها مطلوبة لتحقيق قفزة تنموية ، و لكن ببرامج سياسية و اقتصادية و اجتماعية فعلية ، و ليس بمجرد شعارات ، و خطوات عملية تجسد هذا المطمح بالقطع مع كل أذوات الفساد ، الذي لا يفسد العملية الانتخابية فقط ، بل يضيع مستقبل البلاد ، و تقديم علاج فعال يسمن المواطن و يغنيه عن الجوع بدل الخطب و المهرجانات .
و لعل الإكراهات التي يمر منها المغرب اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا و التي تعمقها أكثر جائحة كورونا ، تقتضي الرقي بالمشهد السياسي لجعل المواطن يستعيد الثقة بالمؤسسات و الاستحقاقات ، فيما يمكن توصيفه بعقد سياسي جديد ، يضمن التنمية و الرفاء للجميع و العدالة السياسية كما العدالة في تقسيم الخيرات .
حسم تاريخ إجراء الانتخابات بالمغرب ، لكن هل تم الحسم مع المسلكيات البالية المعطلة للتغيير ، و لبناء مؤسسات قوية فاعلة و قادرة على ركوب كل التحديات و ربح كافة الرهانات وطنيا و إقليميا و دوليا .
حينما دعا وزير الداخلية المغربي الطبقة السياسية إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير لإجراء المحطات الانتخابية المقبلة المقررة ، “في مناخ يسوده التنافس الشريف ، و يحقق المساواة و تكافؤ الفرص بين المترشحين و الهيئات السياسية ، و ترسيخ ثقة المواطن في صناديق الاقتراع ، و المؤسسات التمثيلية التي تفرزها” ، متعهدا بإنجاح كافة مراحل المسلسل الانتخابي ، و أنها ستضطلع بالمهام الموكولة إليها بكل جدية و حزم و مسؤولية ، مع الالتزام بالحياد التام إزاء كافة الأطراف المتنافسة ، سواء خلال مرحلة الإعداد لمختلف العمليات الانتخابية ، أو بمناسبة إجرائها ، مشددا على ضرورة التزام جميع الأطراف بأخلاقيات الانتخابات و واجب النزاهة و التنافس الشريف ، و التحلي بقيم الديمقراطية .
جميل أن نسمع هذا القول ، لكن المطلوب هو التعاطي بالحزم و الشفافية اللازمتين للقطع مع كل حالات الإفساد المتعمد للعملية الانتخابية بواسطة المال ، خاصة و أن آليات الترحال المرتبط بالمال بدأن قبيل الانتخابات تتسع لضمان التزكية .
إن المطلوب هو استعادة ثقة المواطن في المؤسسات و العملية الانتخابية ، و ذلك لن يتأتى إلا بسياسة القرب من معاناة المواطنين ، و الانكباب الفعلي على إيجاد حلول لكل الأورام السرطانية التي تعطل التنمية و تحقيق الرفاه .
أكيد أن المرسوم المعد و المقترح عرضه على البرلمان للمصادقة قد يشكل المدخل ، و ليس الحل ، لقطع الطريق على تلويث العملية الانتخابية من خلال المال الحرام ، و إعمال الرقابة على المداخيل و النفقات المخصصة للانتخابات ، و فتح حساب بنكي خاص لهاته العملية من قبل جميع المشاركين و المشاركات ، مع إلزام الجميع بالخضوع لسلطة مراقب محاسبي يتولى ضبط هاته العمليات ، لكن و مع ذلك فالتجربة المغربية علمتنا أن الإشكال القائم ليس إشكال نصوص تشريعية أو قانونية ، بل إشكال تنزيل هاته النصوص و تفعيلها من خلال القوة اللازمة ضمانا للعدالة في المنافسة لخدمة الوطن و المواطن و ليس العكس .
و هنا نلتقي مع ما صرح به أستاذ القانون الدستوري “رشيد لزرق” حين قال ، إن المشهد السياسي الحزبي المغربي تسوده الضبابية ، و أن الأحزاب لم تستطع مسايرة الإصلاح الدستوري ، مضيفا أن الأحزاب ونخبها ليست في مستوى الدستور ، وذاك حين أشار إلى أن الأحزاب – خلال مواجهة جائحة كورونا – كانت تنتظر الإشارات ، و لم تقدم مبادرات .
فالمطلوب إذن تجديد طرق التواصل و القرب من معاناة الناس لضمان تحبيب إرادي للممارسة السياسية ، و إعطاء الشباب الأولية ضمن خطط الدولة و الأحزاب ، و مراقبة صرف الاعتمادات الممنوحة للأحزاب ، و التي تقدم على قاعدة التقرب و التواصل و التكوين المستمر لهاته الفئات ، و لكنها و يا للأسف توجه لاتجاهات أخرى دون مساءلة تذكر .
















إرسال تعليق