محمد العوش
كثيرا ما نتحدث عن النخب ، و التي تعني في النظريات السياسية و الاجتماعية ، مجموعة صغيرة من الأشخاص المسيطرين على موارد و قوة سياسية تأثيرية كبيرة ، و على الرغم من هذا التعريف إلا أن المفهوم يبقى أكثر هيولامية .
و التعريف الأقرب إلى الإجماع هي مجموعةٌ من أهل الرّشد يقودون النّاس بل يرى البعض أن حضورهم ضروري للاستقرار و التنظيم و البناء .
فهل النخب الفكرية و السياسية المعاصرة خاصة بالمغرب تقارب هذا المفهوم ؟
قد تكون أقرب إليه من باب القوة ، أي القوة المادية التي تقود طبعا إلى مفهوم السيطرة بمفهومها العام .
المفكر الفرنسي سان سيمون اعتبرَ أن مفهوم النخب يشمل كل النخب العلمية والمهنية والفكرية في المجتمع، مشددا على أهميتها وضرورة وجودها .
دينكن ميشيل اعتبرها “جماعةٌ من الأشخاص يتم الاعتراف بعظَمة تأثيرهم وسيطرتهم في شؤون المجتمع حيث تشكل هذه الجماعة “أقليّة حاكمة” يمكن تمييزها عن الطبقة المحكومة ، وفقًا لمعيار القوة و السّلطة بدلالة تمتعها بسلطان القوة و النفوذ و التأثير في المجتمع أكثر مما تتمتع به الطبقة المحكومة ، وذلك بسبب ما تمتلكه هذه الأقلية من مميّزات القوة و الخبرة في ممارسة السلطة والتنظيم داخل المجتمع الأمر الذي يؤهلها لقيادة المجتمع وفق تصوره .
فالنخبة رديف القوة و السيطرة حسب هذا المفهوم ، و لكن عن أية قوة نتحدث ؟
الأكيد أن القوة المقصودة هي القوة المادية ، أي المالية ، و هي بهذا المنحى تقارب نظرية ميكيافيلي السياسية حول حضور صفة الأسد في المتحكم ، و لكن استلزم الأمر حضور الدهاء و المكر في نظرية ميكيافيلي مما يعني حاجة المسيطر اقتصاديا الى أصوات و أبواق تؤثث فضاء السيطرة و تمجد فضل المسيطر على المسيطر عليهم ، و هنا يحضر دور النخب السياسية و الفكرية كمكمل لأنماط التحكم .
و هو ما استدعى تدخلا فكريا كان رائده غرامشي الذي حصرها في مفهوم القلاع الإيديولوجية التي تحمي السيطرة و تتطلب نضالا و هدما من قبل من اسماهم غرامشي بالمثقفين العضويين ، كمعطل لهاته المشاريع التي تخضع المجتمع لتوجّهات المسيطرين ، بما تملكه من نفوذ معنوي و مادي و امتيازات تتيح لها التأثير الواسع على المجتمع .
فالنخبة بهاته المواصفات تضفي على هذه الجهات شرعية التأثير على الرغم من هلامية و ظلامية هذا التأثير ضمن سياق التأثير و التأثر .
و ضمن منحى هاته العلاقة تظهر الوصولية كخطوة لكسب ود سلطة القوة المالية ، و الانتهازية كأسلوب للوصول إلى هاته القوة المفقودة و المكدسة في رساميل المؤسسات المالكة للقوة ، سواء كانت هاته المؤسسة وظيفية أو حكومية أو حزبية ، و هي بهذا المفهوم تقوم على النفاق كقاعدة أساسية للوصول لتحقيق الأهداف اللحظية المرسومة بعيدا عن سلطتي الوعي أو الأنا الواعية ، لأنها تستحضر الآخر في الوصول لتحقيق الأهداف بكل الوسائل الممكنة بعيدا عن القيم و المبادئ .
فالأفعال هنا هي أفعال نفعية مصلحية محضة ، من خلال ممارسة التضليل و الخداع و التطبيل لقوة المال على حساب قوة الضمير الميت أصلا و أناة الشعب المحروم من القوة بمفهومها الشامل .
فالانتهازية ليست وجهة نظر ، بل سلوك مرتبط بالوصولية ، الهادفة لتحقيق الأهداف الاقتصادية أو المنصبية على حساب الجماعة بالنفاق و الخداع و الرياء ، و هي بذلك تلعب دورا تذميريا لكل قيم المجتمع ، من خلال تزييفها للوعي ، و معاداة كل قيم التغيير و التقدم .
فهي بهذا المفهوم مذهب سياسي مستمد من شكل المجتمع الذي تريد الوصول إليه ، إذ تقول اليوم ما تنقضه غدا ، و أهدافها السياسية تكاد تكون محدودة أو منعدمة ، و تشكل فئات البرجوازية الصغرى ، أو المثقفين و أشباههم قاعدتها الأساسية ، و هي قد تخفت في لحظات و لكنها تشتد في مرحلة الأزمات لاستغلال ذاك الظرف المناسب لتحقيق الأهداف النفعية التي تريد الوصول إليها .
فهي بذلك لا تستوطن لا ملة و لا دينا و لا عرقا و لا جنسا ، لأنها سلوك نفعي لحظوي يسكن كل هاته الفئات بغاية الوصول لتحقيق المكاسب ، و لو على حساب تدمير الآخرين و إلباسهم ثوب الباطل لإقناع أولي الأمر بصواب الرؤية و الروية ، و هنا تحضر مجموعة من التمظهرات المصاحبة لهذه الظاهرة من انتشار سلوك الوشاية و التطبيل لديها كخبز يومي لتحقيق الرغيف النفعي المراد الوصول إليه عبر ألام الآخرين و من خلال تدميرهم .
إذن فالسلوك الانتهازي و الوصولي هو سلوك واع بالمصلحة المباشرة التي يريد تحقيقها ، و لا علاقة له بالوعي الجماعي ، بل أن هاته الأصناف تشكل خطرا مضاعفا لإعاقة أي تغيير مجتمعي نحو قيم السمو و العدالة الاجتماعية ، لأن الاسترزاق أصبح جزءا رئيسيا من مكونات فكرها و تصورها و ممارساتها اتجاه سلطة المال لإقناعها بصلاحها لتدبير كل المراحل و الأزمات التي يمكن أن تعيشها تلك السلطة ، و أنها تشكل المخرج لكل الجوائح من خلال التطبيل و التزمير .
















إرسال تعليق