التراث الغنائي الريفي من روح الوطنية والدفاع إلى قلعة الإبداع والامتاع

0

نشر في: 29 أكتوبر  2019 / 14:35 

محمد الهرنان كاتب وباحث في التراث 

أثرت جغرافية الريف وأحداثه التاريخية بشكل كبير على البنية الفكرية والمعرفية والثقافية لسكان منطقة الريف عامة حيث قدموا التضحيات في مواجهة الغزاة من المستعمر الفرنسي والإسباني والظواهر الثقافية ترتبط ارتباطا وثيقا بالمال والمكان التي تنشأ فيه الخصوصية الثقافية والإبداعية للريف محكومة بعامل ألا انفتاح التي شهدته المنطقة لزمن طويل.

فوعورة المسالك ونذرة الموارد الطبيعية والاقتصادية وانعدام المواصلات جعل العامل الجغرافي يطغى بشكل بارز في المظاهر الثقافية على حساب العوامل الأخرى الضاربة في القدم.

ثم أن الانشغال الدائم لسكان المنطقة ورد الحملات الغازية حال دون إعطاء أهمية لتدوين تراثهم وفنونهم وآدابهم وحال دون تشجيع الرحالة والباحثين بالمغامرة في التوغل بالمنطقة ناهيك عن نذرة المراكز الحضارية التاريخية التي كان بإمكانها ان تلعب دورا هاما في الإشعاع الثقافي والفكري بالمنطقة.

إذ تؤكد أن أغلب الدراسات التاريخية أنه لم تكن هناك من المراكز المشهورة سوى مدينة “روسادير”/ مليلية التي كانت مرفأ تجاري ليس إلا وإن كانت هذه العوامل مجتمعة قد ساهمت في أن يظل جزء هام وكبير من تراث الريف الثقافي والحضاري مجهولا ومغيبا وأن يكون حجم المعلومات أو المعرفة به وبعناصره ضعيفا وضئيلا.

فإن المحاولات المتأخرة تاريخيا في استجلاء بعض مظاهر هذا التراث وتوثيقه ظل منه حيا إلى بداية القرن العشرين، قد استطاعت أن تقدم لنا تصورات علمية وأن تفتح آفاقا مهمة للبحث والدراسة وأن تمد جسور الترابط والتعالق بين عناصره وعناصر الفنون والآداب المعاصر التي تبلورت بالمنطقة بدءا من الثلث الأخير من القرن الفارط.

  • المراحل التي مرت منها الفنون الأمازيغية الريفية:
  • المرحلة القديمة:

عرف الريف منذ قرون خلت مختلف الفنون وعلى رأسها الموسيقى تأثير بالحضارات مرت من هناك زمانيا وغيرها والغناء كأسلوب حياة ظل في ذاكرة الريفين القدامى رغم صراعهم المرير مع الغزاة من كل أقطار العالم الشيء الذي انعكس سلبا على عدم إمكانية توثيق التراث الغني لهذه المرحلة إلى حدوث القرن العشرين.

  • المرحلة الحديثة:

مع مطلع القرن العشرين ومع تقدم العلم والتكنولوجيا، سيعرف المجتمع الريفي نهضة ثقافية ملحوظة ومنها الفن الموسيقى الغنائي.

لقد شكلت المعارك سكان الريف قبائل الحسيمة والناظور وقبائل كزناية بتازة مساحة مهمة من انشغالاتهم وإبداعاتهم حيث كانت النسوة والرجال على السواء يغنون للمقاومة ويفتخرون ببطولات المجاهدين كما هو الشأن بالنسبة لسكان آيت رياغل وقلعية نأخذ منه هذا النص الذي تغنى به الريفيون افتخارا بملحمة أدهار أبران.

1.أيادهر أبران أيا سوس أيا خسان.

  1. ويز اياك ايغاران ايغار زاياس زمان.
  2. ماني يادوقاز رباروز ماني سويان يايسان
  3. ماني ياقيمرعسكا ايساذ أمميسار مان.
  4. أثيشو شاي ناس أمارخا فارخا فاريالون
  5. أرقبطان “ويلبا” ثاضيشا كد ايحالقا.
  6. ماياكار عسكانش راذيج ما يدا
  7. أعوما أوفقي خاسراك ايكارضا
  • الترجمة بالعربية:

يا جبل أبران مفتت العظام

من طمع فيك فقد كان مخطأ

في ذلك المكان انفجرت القنابل وصهلت الخيول

في ذلك المكان انفجرت القنابل وصهلت الخيول

في ذلك المكان بقي العسكر ملقى على الأرض كالسمك

قبعاته كالفلفل الأحمر الناضج

يا قبطان ولبا لقد حوصرت

أين هم عساكرك

لا أحد منهم بقيا حيا

أستشهد “عمر أفقير” عند سياج الثكنة.

فلا زال إلى يومنا هذا مبدعي الريف الأمازيغي يتغنون ببطولات “محمد عبد الكريم الخطابي وبجهاد المغفور له محمد الخامس.

 كما جاء في النص:

أسكود أرومي خذ كورا يجدي

أسكود اذ غانمين اثيسيوظ ربي

قذين لوياغرا الشات لور خطي

لوث أيا بقوي أشيعاون أربي.

  • الترجمة بالعربية:

هجم النصرني على كثمان الرمال.

متجها نحو تيغانمين فلم يبلغه الله مقصده

فهناك الورياغلي الذي لا يخطئ التصويب

وأنت يا بقوي اضرب والله في عونك.

  • الترجمة:

طلعت الطائرة وقصفت سيدي إبراهيم

ثم أفرغت من القبائل والرصاص كحبات البرد

أمولاي امحند أنت حمام الجنة.

كما جاء في النص:

اجت ند حنجيث تامزياند ذوسيد أيمى هذه

أصوفت ذقوظاظن سيدي مايكا بابا

أبابم قيموث قذ نفيث حراقا

لوجي ميغ غاذرتروذ أيجي ماروخا

قرفقي اشمرار ذاباس ناليتاما

  • الترجمة

فتاة صغيرة قصدت المجاهدين

بخطوات قصيرة سيدي أين أبي

أبوك قد مات قتلته الحرب

فالفقيه الأبيض هو أبو اليتامى

فتاريخ الأمازيغ هو تاريخ مقاومتهم وعلى هذا الأساس انبى جزء من ثقافتهم وتكون لديهم رصيد مهم من الممارسات الاجتماعية ذات طبيعة حربية تحولت بقوة الأشياء إلى نوع من الأعراف التي زادت رسوخا مع حدة البداوة، وغدا التنكر لها، تحت أي ذريعة كانت من العوامل التي تفقد الإنسان الامازيغي وضعه الاعتباري داخل المجتمع (م لغرايب، 2005: 161).

ومعروف أيضا أن الشعر، خاصة الشفهي، يعكس انشغالات مجتمعه، وبالذات في بعدها المعاناتي. ومعروف كذلك أن الريف لم ينتج شعراء المقاومة المعروفين، ولكنه أنتج شعر مقاومة، تغنت به النساء في الحقل وفي الأعراس وبجوار الرحى التقليدي، وتغنى به الرجال أيام الحرث والحصاد وفي الحفلات، وتفاخرت بع العائلات والقبائل بعد انتهاء المعارك.

ورغم أن الريف لم يهتم كثيرا بقرض الشعر والغناء به. بل إن عبد الكريم الخطابي كان قد منع الغناء والرقص، ولم يبحهما إلا بعد استعطاف شعبي ونقاش طويل. كما تشير الأبيات التالية:

  • يا ربي اجعل عبد الكريم يأذن لنا
  • أن يأذن لنا بالغناء والرقص
  • يا مولاي محند ألم يرق قلبك؟
  • إن لالا بويا قد انتهت من أرضك.
  • امـذيـــــــازن:

مجموعة غنائية شعبية منفتحة على الجميع وتمثل كل شرائح المجتمع وغير قارة في مكان معين بل تتحول في كل المناطق والمداشر وتدخل بيوت كل الفئات الاجتماعية تعتمد على آلات المزمار والدفوف وآلة أوجون وآلة ثامي أهم مشاهرها الفنان علال والشيخ هو مدرس، ميمون تاسروان، وغيرهم بكثير.

تنتشر في مجموعة من القبائل الريفية أجدير، تمسان، بني سيدال، بني توزيت…

يتغنى الشعراء بجميع قضايا المجتمع ويطوقون أهم الموضوعات الشعرية مدح، غزل ….

  1. الرقصات الفلكلورية:
  • رقصة توسيت: وهو نوع من الاحيدوس:

الذي ترقص فيه مجموعتان من المغنيين منقسمة إلى قسمين: وتؤدى الأغنيات: فيها إلى إيقاع آلة واحدة هي الدف ويسميها الريفيون أيضا (تفوست) إشارة إلى تشابك الأيادي بين الراقصين تماما كما في رقصة (أفوس) لدى بعض قبائل الأطلس المتوسط وهذا النوع من الغناء انقرض نهائيا بالمنطقة.

  • رقصة للا بويا:

وهو نمط موسيقي يمزج بين العناصر التقليدية العرقية وعناصر جديدة وافدة من الموسيقى الشرقية وكانت الأعراس أهم المناسبات التي تسمح بالإعلان عن نفسه. وقد أشهر في أدائه النساء أكثر من الرجال (4) ومن أشهر الفنايات اللائي مارسن هذا الفن يمينة الخمارية، وميمونت ن سلوان التي هيمنت بمفردها ودون منافس على ساحة الغناء بالريف طيلة السبعينات. وقد عرف هذا النمط التراثي ازدهاره طيلة العقدين المواليين الاستقلال وسمح بظهوره عدة أسماء كالشيخ موذروس، حميد النمسماني، مليكة الخرفانية.

  • رقصة أبارودين:

اختفت هذه الرقصة تماما حيث كانت تؤدى من مجموعة من الفنانين الذين يمثلون نخبة المجتمع الريفي يتحفون الجمهور بمشاهد تعكس جهاد وتاريخ الريف الحربي وذلك بإطلاق البارود بعد سجلات شعرية ثورية.

  • رقصة الركادة:

بعض من مناطق الناظور وتازة والجهة الشرقية والتي لازالت إلى اليوم حاضرة داخل المجتمع الريفي والشرقي فهم يمارسون هذا النمط الفني الذي يعتمد على حركة الجسد خصوصا: النهاري والمنكوشي ولعلاوي كما يعتمد ممارسوها على آلات الغيطة والدف والناي وفي التنظيم على الشيخ الذي يقود الفرقة في كل مرحلة من الرقصة وتسمى “بالبارطية” أو “القطعة” تحريك الأرجل رفعا ودفقا وهز الأكتاف يمينا ويسارا وبحسابات مضبوطة تجمع بين أصحاب الإيقاع والرقص.

فالمجتمع الريفي سواء في إقليم الحسيمة أو الناظور ومنطقة أكزناية بتازة اندثرت منه مجموعة من الرقصات والفنون القديمة تبعا لعوامل تاريخية مرتبطة بمرحلة الاستعمار والهجرة إلى الخارج وظهور موجات جديدة كفن الرأي وغيرها من الفرق العصرية التي لم تفلح إبداعيا ولم تقدم شيئا يذكر للمجتمع الريفي. فالفن الريفي الأصيل يستدعي النبش فيه من جديد والتشجيع على امتهانه وجمعه وتدوينه.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!