وضع الإقتصاد المغربي في ظل الجائحة

0

مليكة بوخاري

أكدت تقارير اقتصادية أن المغرب يتقدم بخطى عملاقة من الناحية الاقتصادية ، مصنفة إياه ضمن الخمس اقتصاديات التي تشهد نموا سريعا في إفريقيا ، فما هي حقيقة هاته القفزة العملاقة ؟ و ما سر هذا النمو السريع إفريقيا ؟
جاء ذلك من خلال تقرير أوردته مؤسسة “غلوبال داتا” ، و الذي قالت إن المغرب يتقدم بخطى عملاقة اقتصاديا ، مشيرة إلى تصدره قائمة الاقتصاديات الخمسة التي ستشهد أسرع معدلات نمو في إفريقيا خلال سنة 2021 .
و في هذا الصدد ، توقعت الشركة الدولية المتخصصة في الاستشارات و تحليل البيانات الاقتصادية ، في تقريرها ، أن يحقق المغرب نموا قدره 5,19 %، معتبرة ذلك أعلى معدل يتم تسجيله على مستوى القارة الإفريقية خلال سنة 2021 ، مرجعا ذلك إلى “الأداء الفلاحي الجيد و حملة التلقيح الفعالة ، و السياسات النقدية الملائمة و الحوافز الضريبية” .
على صعيد الاقتصاد الإفريقي أشار التقرير إلى أن هذا الاقتصاد بعد أن شهد أسوأ ركود له منذ خلال سنة 2020 ، من المنتظر أن يسجل نسبة نمو هامة ستصل إلى 3,8 % خلال سنة 2021 .
فالنمو الاقتصادي الهام المسجل مرجعه إلى الظروف المناخية الجيدة خلال هاته السنة ، إضافة إلى تسجيل انتعاش هام في قطاعي السياحة و الصناعة التقليدية ، و السياسة النقدية التي تم انتهاجها ، و التحكم في نسب التضخم ، و توفير السيولة المالية اللازمة لتمويل حاجيات المقاولات ، خاصة خلال الجائحة ، و تحويلات الجالية المغربية المقيمة بالخارج ، كل هاته العوامل شكلت عوامل إيجابية لإنعاش الاقتصاد الوطني و تجنب الآثار الكارثية المصاحبة للجائحة و التي أرخت بظلالها على اقتصاديات إفريقيا .
المعدلات الرقمية تؤكد ذلك ، حيث سجلت نسبة ارتفاع هاته التحويلات 45,3 % خلال الأربعة أشهر الأولى من هاته السنة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية ، متجاوزة مبلغ 28,8 مليار درهم ، مقابل 19,84 مليار درهم خلال الفترة نفسها من السنة الفارطة .
و تبعا لذلك فإن الاقتصاد الوطني تجاوز حالة الانكماش التي عاشها خلال سنة 2020 ، شأنه في ذلك شأن غالبية الاقتصاديات الإفريقية و العالمية ، و يسود تفاؤل حذر المعدلات الاقتصادية التي سيتم تسجيلها خلال هاته السنة .
و لعل تجاوز سياسة الإغلاق الشامل قد أدت إلى تحقيق هاته الأرقام ، خاصة و أن هاته السياسة أضرت بالقطاع السياحي الذي يعد عصب الاقتصاد المغربي ، كما أنها عطلت جزئيا مشاريع استثمارية كبرى في قطاعات السيارات ، و قطاعات أخرى .
تفاؤل لا يتبناه جل المحللين الاقتصاديين ، حيث قدم آخرون نظرة تشاؤمية ، مؤكدين استمرار الانكماش و عدم القدرة على الوصول إلى التعافي المطلق نتيجة استمرار انتشار الجائحة و عودة الدولة إلى تشديد إجراءات الحظر ، و تأخر الوصول إلى تحقيق المناعة الصحية ، آملين أن يصل المغرب إلى تحقيق هاته الأهداف خلال سنة 2023 و ليس قبلها .
و كانت المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب ، قد توقعت ، خلال الشهر الماضي ، تحقيق معدل نمو ناتج محلي إجمالي هام قدرت نسبته في 4.6 % خلال سنة 2021 ، في مقابل توقعات بحصول انكماش اقتصادي سيصل إلى 7 % خلال سنة 2020 ، و هي توقعات تقارب النسب المعلن عنها من قبل “بنك المغرب” و الذي حصرها بدوره ما بين 4.7 % خلال سنة 2021 ، و أقل من 1 % خلال سنة 2020 .
و تشير التقديرات الأولية إلى أن قطاعات هامة ، مثل السياحة و النقل الجوي و الصناعة التقليدية ، لن تتمكن من التعافي من آثار الجائحة بشكل مطلق ، كما أن معدلات البطالة ستعرف هي الأخرى ارتفاعا نتيجة عدم قدرة مجموعة من المؤسسات المرتبطة بهاته القطاعات من الصمود أمام هاته التداعيات .
يشار إلى أن المغرب ، و لتلافي الارتدادات الكبيرة و الخطيرة على الاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي ، كان قد سن في 15 مارس / آذار من السنة الماضية مجموعة من القرارات الهادفة إلى منع حدوث السكتة القلبية ، ضمنها قرار إنشاء صندوق خاص لتدبير و مواجهة الجائحة بغاية التخفيف من هاته التداعيات .
و لعل الموسم الفلاحي الجيد و نجاح المغرب في تذبير الجائحة و لو بنسب جزئية إضافة إلى انطلاق حملة التلقيح ضد الفيروس منذ 28 يناير/ كانون الثاني بلقاحي “سينوفارم” الصيني و “استرازينيكا / أكسفورد” البريطاني ، حيث تمكن المغرب من شراء 2.5 مليون جرعة كدفعة أولى من اللقاحين ، توزعت بين مليوني جرعة من “أسترازينيكيا” و 500 ألف من “سينوفارم” ، قد مكنت المغرب من الحد من الآثار السلبية الخطيرة للجائحة و مكنت من فتح الأبواب أمام حركة السياحة و التنقل مما ساعد على انتعاش نسبي في هذا القطاع المتهالك بالجائحة .
يشار أيضا إلى أن مؤشر ممارسة الأعمال (2020 Doing Business)، الصادر عن البنك الدولي قد صنف المغرب في المركز 53 من أصل 190 دولة بحسب المعايير التي يعتمدها و ضمنها نقل الممتلكات ، و إنشاء المقاولة ، و توصيل الكهرباء ، و الحصول على تصريح البناء ، و دفع الضرائب ، و توفير القروض ، و التجارة عبر الحدود ، و هو ما مكنه من احتلال المرتبة 143 من أصل 183 دولة شملها تصنيف ممارسة الأعمال ، الذي يصدره البنك الدولي سنويا ، محققا بذلك 90 نقطة خلال مدة 10 سنوات ليصل إلى المركز 53 عالميا .
و كان المغرب يأمل منذ سنة 2010 إلى تحقيق طفرة هامة في مجال مناخ الأعمال ، و شكل وقتها لجنة وطنية مختلطة من القطاع العام و الخاص من أجل التنسيق و السهر على تحقيق الأهداف الكبرى و ضمنها تبسيط الإجراءات الإدارية ، و تعزيز الشفافية ، و تحديث قانون الأعمال .
و يأمل المغرب ، الذي يحتل المركز الأول من حيث تحسين بيئة الأعمال في شمال أفريقيا ، وفق إفادة البنك الدولي ، و المركز الثالث على مستوى منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، بعد الإمارات و البحرين ، إلى تحسين الترتيب خلال هاته السنة و الوصول إلى المرتبة 50 عالميا ، و هو ما سيساعده في حالة تحقيق هذا الهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات ، و ضمن هاته الخطوات إصدار القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر و الإجراءات الإدارية و الذي دخل حيز التنفيذ في فاتح أبريل من هاته السنة .
المؤكد أن “كورونا” قد أحبطت المشاريع الطموحة للرقي الاقتصادي خلال سنة 2020 شأنه في ذلك شأن باقي دول العالم ، لكن البنية التحتية الأساسية لمناخ الأعمال التي وفرها المغرب من خلال إنشاء مناطق للتجارة الحرة ، و تقديم تسهيلات و إعفاءات ضريبة للمستثمرين ، و إحداث مركز مالي دولي في الدار البيضاء و الاهتمام بالعنصر البشري و الاستقرار السياسي و الأمني كلها عوامل تشجع على جذب المزيد من الاستثمارات .
إلا أن هذا التقدم المسجل في مجال تحسين مناخ الأعمال لم ينعكس على الوضع الاجتماعي ، بل أن الجائحة كشفت الاختلالات الكبيرة المسجلة في هذا الباب ، من جهة ارتفاع نسب البطالة و اتساع الهوة بين مستوى الفقر و الغنى و وصول الآثار في ظل الجائحة لتطال حتى الطبقات الاجتماعية المتوسطة الدخل .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!