استقالات البيجيدي هل هي فوات لقطار العثماني أم للحزب ؟

0

محمد العوش

هل ازداد المشهد الحزبي داخل البيجيدي قثامة ؟ فأصبح الحزب مهددا بالتقسيم ، و الانحلال داخليا ، و الانحسار جماهيريا ؟ تلك تساؤلات تبقى مشروعة ارتباطا بمعطيات اليوم ، من تقديم “المصطفى الرميد” لاستقالته من حكومة العثماني ، وصولا إلى استقالة “الأزمي” من رآسة المجلس الوطني للحزب و الفريق النيابي للبيجيدي ، و أمانته العامة ، إضافة إلى العديد من الاستقالات القطاعية ، و الأيام المقبلة ستكشف لنا عن مفاجآت جديدة .
إن ما يعيشه البيجيدي اليوم من شرخ تنظيمي داخلي ، ارتباطا بإنجازاته التذميرية التي هدت القوت اليومي للمواطنين ، بتمريرها لأخطر السياسات ، التي لم تجرؤ أي من الحكومات السابقة سلوكها كطريق ، لحساسيتها و انعكاساتها السلبية على قوة الصمود الاجتماعي ، و بالتالي السلم الأهلي ، و تمرير قانون “الفرنسة” وصولا إلى “التطبيع” ، إضافة إلى تضارب المصالح البراغماتية لكل مكونات الصف الأول في الحزب ، و هي كلها إرهاصات أولية لوقائع اليوم ، لانفجار وشيك سيهز أركان “تضامنية الإخوان” .
إن كل ذلك ، هو إفراز طبيعي لتناقضات المطامح بين مكونات بيته الداخلي ، و تضارب أحلام بسطاء الحزب مع قياداته ، و أثر ذلك كله على وحدة الحزب الهشة أصلا .
فتقديم “الأزمي” لاستقالته من رآسة المجلس الوطني و أمانة الحزب العامة ، يعكس الصورة الطبيعية لحزب بدأ في التآكل ، و قيادته الضعيفة التي تعيش أحلك فترات تاريخها ، و التي لم يسعفها تخصصها النفسي في فهم نفسية باقي “الإخوان” ، و ضمان وحدة سيكولوجية لمكوناته على الأقل ، قبل الوحدة السياسية أو البرنامجية منها ، التي جعلت الحزب يصعد إلى دفة الحكم في ظل “ربيع عربي مخدوم” .
تطورات تعد طبيعية ، ارتباطا بارتماء الحزب في أحضان المشاريع الكبرى الخطيرة للدولة ، و خدمة الرساميل المحلية التبعية و الإمبريالية ، و إغراق المغرب في سلسلة من الديون ، و رهن الاقتصاد الوطني لدى الدوائر المالية المانحة ، و جعل المغرب مركزا لتسريب قرارات الملحقات الاقتصادية و السياسية للمشاريع الكبرى التي تصرف باسم الانفتاح على الكل ، الاقتصاد و الاجتماع و السياسة و التطبيع مع الفقر و الكيان الصهيوني باسم الحداثة الفكرية و التسامح ضدا على ثوابت مرجعية الحزب و الأمة المغربية .
قنابل موقوتة أعلنت في وجه الحزب ، في ظل براغماتية قيادته ، و كانت النتاج الطبيعي لواقع اليوم من صراعات أجنحته ، إلى استقالات هزت ما تبقى من عرش الحزب و الطاعة اللذين كان يفتخر بها كل من “بنكيران” و بعده “العثماني” .
السيطرة على الأذرع الدعوية المرتبطة بالحزب ، لم تعد كافية لضبط التوازنات و إخضاع المريدين لقرارات الحزب باسم “طاعة أولي الأمر” ، بل جعلت الكل يتعرى و يصبح على المكشوف ، و الصمت الذي ساد لفترة لم يكن إلا ذاك الذي يسبق العاصفة ، و تمرير الفرنسية ، كما “التطبيع” و “ثقب” جيب المغاربة ، لم تكن إلا مداخل لفقدان الثقة شعبيا و داخليا ، و تيهان مناضلي الحزب بين المرجعية الموعودة ، و لغة المصالح الممارسة سلوكا نفعيا دائما ، على حد الحكمة التي حملتها التحولات التي مست منظومة العلاقات الدولية “لا صديق دائم و لكن هناك مصالح دائمة” و التي سكنت متأخرة البيت “الإخواني” فحاول النهل من ينابيعها ، فذمرته عن آخره ، وأصابته بمقتل تنظيمي ، لا أظن أن “مساعي الخير” ستستطيع ترقيعها ، مهما علت سطوتها ك “شيوخ كبار” للبيت ” الإخواني” .
فلغة “التباكي” التي مارسها “بنكيران” ، و تبعه على نهجها “العثماني” لم تعد تنفع لإبقاء الغشاوة على العيون ، لأن مناضلي الحزب و شبيبته و نساؤه ، كما الشعب المغربي ، قد انزاحت عن عيونهم ، التي أصبحت صاحية ، تلك الغشاوة التي غطتها خلال فترة “الربيع” ، بفعل عملية جراحة الأزمة التي عرتها استهدافات “شيوخ البيجيدي” لكل مقومات وجودهم المادي و الفكري و الحقوقي .
نتائج غدتها استقالات بالجملة في مختلف مناطق المغرب ، و وصلت إلى حدود فرع الحزب بألمانيا ، لن نقول واهمين بأن لها علاقة بالأسس المرجعية للحزب ، بل لارتباطات نفعية شعارها “أرض الله واسعة” ، في لغة البحث عن المصالح الشخصية للأفراد ، انطلاقا من قاعدة “ما لله لله و ما لقارون لقارون” .
و استقالة “المصطفى الرميد” من الحكومة ، و “إدريس الأزمي الإدريسي” من رآسة المجلس الوطني لحزب العدالة و التنمية ، و من برلمان “البيجيدي” ، و الأمانة العامة للحزب . التي بررها بقوله “يؤسفني أن أقدم إلى المجلس الموقر استقالتي من رئاسة المجلس الوطني للحزب وبالطبع من الأمانة العامة للحزب” ، لا تخرج عن هاته القاعدة ، بل هي التعبير البراغماتي عنها ، ربما الأهم في الوضع القائم هو التصريح الذي قاله الأزمي نفسه موجها كلامه للعثماني “فاتكم القطار” ، بالفعل هذا قول صحيح ، و هو التعبير الطبيعي عن الوضع ، و لكن الأصح هو أن القطار فات الجميع و ليس “العثماني” لوحده .
و لعل التذبذب في القول ، و حتى في الفهم ، التي عكسها “الازمي” توضح بجلاء ما وصل إليه الوضع و مدى خطورته ، حين قال “لم أعد أتحمل و لا أستوعب و لا أستطيع أن أفسر أو أستسيغ ما يجري داخل الحزب و لا أقدر أن أغيره ، و عليه لا يمكنني أن أسايره من هذا الموقع أو أكون شاهدا عليه” .
فيما فضل ، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان و العلاقات مع البرلمان ، “المصطفى الرميد” الهروب من بوابة “المرض” ، لعله يسترجع شيئا و لو بسيطا من “وقار” الماضي “الإخواني” ، و هو العارف بعلم الحساب أن عمر هاته الحكومة ، ليس سوى أشهر فقط ، فما جدوى الاستقالة في هاته اللحظة الباقية من الوقت الميت ، علما أنه سبق له أن قدم استقالته لكنها بقيت “كلاما الليل الذي يمحوه النهار” .
لعل من جمالية التاريخ أن يكون شهر فبراير فأل خير على المجمع “الإخواني” الذي أوصله لدفة الحكم بفعل “ربيع عربي خدوم” أحسن استغلال فرصته ، و لعلنا سنستحضر في نفس الشهر نهاية “الكذبة الكبرى” التي زرعتها الإمبريالية العالمية في إطار سياسة تجديد أشكال السيطرة العالمية على الخيرات و الأمم ، و التي صدقها “الإخوان” بالمغرب فساروا على نهجها ، مقدمين في سبيلها كل ضمانات التنازلات التي أضرت بالشعب المغربي ، و جيوب الفقراء ، و بالقيم العليا للمغاربة ، من خلال رهنهم بثقافة و سياسات الغرب الداعمة ل “إسرائيل” و لكل سياسات “التطبيع” و التركيع ، و محو الهوية الخاصة التي ميزت تاريخ المغرب عبر مساره التاريخي ، و التي جعلته عصيا عن التطويع على مر التاريخ ، و هو ما حاول البيجيدي سلوكه في مغرب القرن 21 ، فنال خيبة الواقع ، و غضب “الإخوان” .
و حلم “بنكيران” بالعودة من بوابة “الربيع” هو وهم أصبح يعشش على مخيلته ، لأن مغرب اليوم ، ليس كمغرب البارحة ، و الشعب المغربي أصبح قادرا على التمييز بين الغث و الطيب ، فقد استوعب الدروس التي جعلت البيجيدي يجني ثمارا لم يساهم بالمطلق في زراعتها ، و ما حمله لهذا الشعب من ثمار كلها خيبات و مؤامرات ، مما جعله يستوعب الدرس و يفهم مجريات سمفونية أحداث درامية عاش فصولها في الأسواق كما في الحريات .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!