العيطة مفهومها وأنواعها طقوسها ومشاهيرها

0

محمد الهرنان: كاتب وباحث في التراث

حينما نتناول فن العيطة كفن شعبي وكموروث ثقافي قديم تعتز به قبائل دكالة والسهول والحوز وزعير وجبالة وغيرها من القبائل التي أبدعت في فن العيطة المقرونة بأشعار ملتصقة بالإنسان ومعاشه وكفاحه ونضاله ضد الطبيعة وضد العدو نسجل أن هذا الفن من أرقى الفنون التي سكنت التربة المغربية فنجد في هاته العيوط نفحات من تاريخ المقاومة ونفحات من الحب والغزل ومن الطبيعة ومن حب الله ومن غيرها من التيمات التي تؤثر في الملتقى ليسبح في خيالات وعوالم مختلفة تثير الدهشة كما تثير الانبهار.

  • مفهوم العيطة:

في الدارجة المغربية نقول: عيط على فلان، ناديه بصوت مرتفع والنداء هنا مقرون وناتج عن حدث جديد / خبر يستحق الاستماع او دعوى الى الحضور او لفت الانتباه لقضية شغلت بال السكانة في مكان ما، من هنا جاءت العيطة ككلام شعري مؤثر موزون عمقه يهتم بالإنسان وخرج من فم هذا الإنسان، فالعيطة هي العالم الانساني وكلماتها وأشعارها هي مجموعة خطابات تصف الانسان في وضعه الحقيقي.

والشعر كما يرى بشلار هو الظاهراتية الحقيقية إذ أن الظاهراتية الفلسفية لو كانت تصف هذه القيم نفسها، فإنها تفعل ذلك بلغة مفهومية الشعر:[1]

فالعيطة تغنت أيضا بالمقاومة ومجدت الحكام الشرفاء وثارت على العملاء والدخلاء في مجموعة المحطات التاريخية من تاريخ المغرب الحديث.

  • طقوس العيطة:

العيطة كتعبير غنائي إنساني يحمل الكثير من الرموز والدلالات ويوفر الكثير من الامكانات القابلة للاستثمار والتثمين يعكس من خلال طقوسه وتعابيره الفنية والأدبية شكلا من أشكال الحياة في المجتمعات المغربية التي تسكن السهول وتعكس نوع الأنشطة المرتبطة بالزراعة في دكالة أو أسفي.

  • مثلا: تتخدد طقوس القديمة لفن العيطة الاشكال التالية:

فبمجرد ما تغرب الشمس وتنهي الساكنة من أشغالها المرتبطة بالميدان الفلاحي والرعي يجمع الكل في إحدى المنازل التي عادت ما تسمى هناك “بالخيمة” وهو اسم له بعد أنثروبولوجي قوي مرتبط بمؤسسة الزواج بكرم الساكنة وغيرها من الأمور يتحلق جميع رجالا ونساء حول المجموعة الغنائية التي تتقن فن العيطة وعلى إيقاعاتها يظهر كرم الأعيان والأغنياء وعشاق هذا الفن الراقي.

تبدأ الحناجر في ترديد البراويل ونصوص العيطة على إيقاعات الكمنجة والدفوف والمزمار والكنبري.

ثم ينهض الجمع للرقص في جو احتفالي فرحا بالتراث وبالسنة الفلاحية ذات المحصول الجيد.

  • أنواع العيطة:

الدارس لفن العيطة في المغرب يجدها تغطي مجمل ترابه لكن بمفهوم يختلف تماما عن مناطق دكالة وغيرها، فالعيطة الجبلية التي تسمى بالطقطوقة وحتى جهجوكة تختلف في إيقاعاتها   عن العيطة المرساوية أو غيرها من لعيوط ففي الأطلس المتوسط   مثلا نجد تماوايت وهو نوع من لعيوط، وفي فن لفراجة بتازة ولحياينة نجد الريح وهو أيضا نوع من لعيوط وهو ما يعبر عنه بموسيقى الأعالي.

لكن العيطة بمفهومها الحقيقي تتجلى في العيطة المرساوية الحصباوية والحوزية والدودية والزعرية والخريبكية والملالية والورديغية على طول ثراب جهة الدار البيضاء الكبرى وجهة الشاوية ورديغة وجهة مراكش تالسيفت الحوز وجهة خنيفرة بن ملال.

وتختلف بعضها عن البعض على مستوى الالحان والاقاعات والنصوص.

  • رموز العيطة بالمغرب.

من أهم الأسماء التي تركت بصماتها في هذا الفن نجد “الحاجة الحمداوية – الحمونية-أولاد بنعكيدة-حافظة-الشيخ الدعباجي-الفنان حاجيب-أولاد البوعزاوي” والشاب نسيم حداد الحاصل على الدكتوراه في الفزياء النووية. وغيرهم من الفنانين كالأستاذ “جمال الزرهوني” من مدينة آسفي الذي أحيى العديد من القطع القديمة التي لحنها وغناها كقطعة: كاسي فريد وغيرها من النصوص التي تركها القدامى. ثم خربوشة التي تعد رمزا من رموز فن العيطة بالمغرب والتي قتلها القايد عيسى بن عمر نتاجا لهجوها له في زمن كان المغرب يعرف اضطرابات سياسية. ومنها هاته القصيدة للثائرة خربوشة التي أغضبت القايد عيسى بن عمر وكانت سببا مباشرا في مقتلها

الايام الايام

يوم القهرة والظلام

وفينك ياعويسة

فين الشأن والمرشان

شحال غيرتي من اعباد

شحال صفيتي من سياد

بلا شفقة بلا تخمام

ايليييييي

حرقتي الغلة وسبيتي الكسيبة

وصكتي النسا كيف النعام

ويتمتي الصبيان بالعرام

أيليييييي

كي الشيخ كي العم كي المقدم

كاع منك طالبين التسلام

وفينك يا عويسة

فين الشان والمرشان ايييييه

تعديتي وخسرتي الخواطر

ضنيتي القيادة للدوام

والجيد ما بقالو شان

والرعواني زيدتيه القدام

سير أ عيسى بن عمر

يا وكال الجيفة يا قاتل الخوت

ويا محلل الحرام

ولاباس ولاباس ولاباس

بالي تهلك بلا قرطاس

ياخلي توال المعاشات

على ما دار في وفات

…..

….

إلى أن تضيف

وخا قتلني وخا خلاني

راني ما ندوز بلادي راني زيدية

وبخصوص موسيقى العيطة التي تنمي إلى منطقة الشاوية بالمغرب وهي منطقة شاسعة تمثل مدينة الدار البيضاء وتمتد صعودا حتى مدينة البروج.

يحضر في هاته الموسيقى البعد الروحي العميق دون استبعاد البعد الإيروتيكي الذي يتخلل بعض المقاطع الغنائية فيها وغالبا ما تؤديها فنانات شعبيات يطلق عليهن اسم الشيخات وهن فنانات يتصفن بالجمال البادخ.[2]

[1] Jeaun Cohen. le haut loungage ed .Flammarion .paris 1979 p 38

[2]  حسن نجمي، قصيدة العيطة، جريدة القدس العربي صفحة أدب وفن العدد ،19 / 27 فبراير سنة 1998 ص 10

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!