الأغنية اليهودية المغربية رافد من روافد الموروث الفني الوطني

0
محمد الهرنان: كاتب وباحث في التراث

عرفت الأغنية اليهودية المغربية أوجها في فترة الخمسينات والستينات والسبعينات بعدما نال المغرب استقلاله واستنشق المغاربة نسيم الحرية ببلدهم، فانتشرت إبداعات جميلة ذات نفحات أندلسية وإفريقية وصحراوية وعربية وأمازيغية ثم يهودية، فرغم أن اليهود المغاربة عرفوا بنشاطهم التجاري داخل فضاءات تسمى بالملاح، فالجانب الفني كان أيضا حاضر عند هؤلاء المغاربة. رغم تميزهم الديني والعرقي بقي سلوكهم الاجتماعي حاضرا وبقوة في علاقتهم بالآخر وبالمدينة إنسانيا وثقافيا حيث لا زال يحفظ المغاربة ويردد أغاني خالدة لإخوانهم اليهود في الأعراس والمناسبات.

  • إطلالة على أغاني يهودية متميزة سكنت قلوب المغاربة:

حفظ المغاربة قاطبة أغاني لفنانون يهود مغاربة عن ظهر قلب، بل لازالوا يرددونها إلى الآن في أفراحهم، ولازالت الأغنية اليهودية تؤثث الساحة الفنية المغربية، كمثل أغنية سيدي حبيبي لسليم الهلالي التي يقول فيها:

هاللا وهايلالي ^^ الدارالبيضا ديالي

هايلي هايلي حبيبي ديالي فين هو

ياحسرة على دوك ليام في كوك دور ديالي

هايلي هايلي حبيبي ديالي فين هو

يالوردة يالوردة بالشوكة

هايلي هايلي حبيبي ديالي فين هو

أنا جنوني وجنوني على الحاجة المشروكة

هايلي هايلي حبيبي ديالي فين هو

سيدي حبيبي فين هو ^^ الزين الديالي فين هو

غزالي ديالي مالو نساني

هايلي هايلي حبيبي ديالي فين هو

هادوك لعيون الكحل فرقوني على يمة

هايلي هايلي حبيبي ديالي فين هو

سيدي حبيبي فين هو^^ الزين ديالي ها هو[1]

فكل هاته الآيبات ترددها حناجر المغاربة في كل أنحاء المملكة، بل تستمد معانيها من تربة الدار البيضاء، ومن عوالمها الجميلة وصخبها الشيء الذي دفع بالفنان سليم الهلالي بأن يذكر هاته المدينة بالاسم ويعتبرها جزءا منه متسائلا عن خليلته التي تاهت بين شساعة مساحتها.

أما عن الجانب التجاري الذي اشتهر به اليهود المغاربة سنقتصر على القصيدة الجميلة التي غناها الشيخ ميزو يحكي فيها عن الإنسان والتجارة يقول فيها:

كثروا لفلوس وزاغ الإنســـان     ***    نساو صنايع زمان

لي كان باه حمــــــــــــــــــال    ***     ولا يبيع العطرية

أنا خوكم رابوزي فنـــــــــان      ***    مشهور في البلدان

أح على الرابوز إلا يطيح في يديا

نبطنو بلبطاين على الألــــوان     ***    الورح من عود البان

نتحفو بشي مسمار رايقة ذهبية

اليوم ظهر شي نوافخ مريكان    ***    مكيطلعو دخان

مكيحتاجو رابــــــــــــــــــــوز     ***    وصنعتي مشاتلي فلخطية

خممت وقلت أعبد الرحمـــــن    ***    راه السوق ولا عيان

نوض دير شي إفادة وشوف مايليق بيا

مشيت وكريت واد المكـــــزان   ***    درت باباها ريسطوران

شريت طواجن وقـــــــــــدور    ***    وجفنة من الطينية

ذبحت من الغنمي جوج دلخرفان  ***   من الذكور المزيان

وجدت خيرات الله مرتي للا سعدية

كان اليهود المغاربة نجوماً في الغناء الشعبي، خصوصاً في الأربعينات والخمسينات، قبل أن يهاجر غالبيتهم إلى بلدان عدة بعد الصراع في فلسطين وما نشب عنه. وهذا ما أدّى إلى اختفاء هذه الموسيقى تدريجياً من الساحة الفنية المغربية، إلى أن ظهر مؤخرا فنانون مغاربة يهود، حاولوا إحياء هذا التراث خصوصاً عبر الموسيقى الأندلسية، التي تعود إلى القرون الوسطى، والتي يشترك فيها المسلمون واليهود، الذين طردوا آنذاك من الأندلس وذهبوا إلى المغرب.

هذه الموسيقى كانت رمزاً للتعايش والسلام بينهم، وكانوا يغنون بالعربية والأمازيغية والعبرية السفاردية، التي يستخدمها اليهود القادمون من إسبانيا وإيطاليا، وهي عبارة عن قصائد غزل وغرام، وقصائد دينية ذات طابع طربي أصيل، ولها مناسبتها الخاصة حتى يومنا هذا.

فالفنانة فانيسا بالوما الباز تعمل جاهدة على إحياء هذا التراث وتقديمه إلى الجيل الجديد الذي لا يعرف عنه شيئاً. هي باحثة ومطربة يهودية مغربية، كولومبية وأمريكية مقيمة اليوم في المغرب، وبدأت سنة 2007 في إنشاء أرشيف صوتي يحتوي على مئات التسجيلات الموسيقية، والنتيجة كانت مشروع اسمه “خويا”، ويعني بالعامية المغربية “أخي”، كرمز للأخوة بين اليهود والمسلمين المغاربة، كما يعني “جوهرة” باللغة الإسبانية كدلالة على قيمة هذا التراث[2].

كما أن هناك أغاني عديدة تناولت قضايا مختلفة فيها ما هو عاطفي وفيها ما هو ديني أغنت ريبرتوار مجموعة من الفنانين اليهود نذكر منهم:

حاييم بوطبول، وماكسيم كاروشي، وريموند البيضاوية، وحاييم لوك، وبنحاس، وسامي المغربي صاحب الأغنية المشهورة «ألف هنية وهنية” التي لازالت تغنى إلى يومنا هذا في الأعراس المغربية.

ومن هنا يبدو لأي باحث في التراث الغنائي المغربي مدى قيمة الأغنية اليهودية وتعايشها مع باقي المكونات التراثية بل أثرت فيها وطورتها كمثل نمط “المطروز” الذي يجمع بين العبرية والعربية وكذلك اهتمام البعض من فناني الطائفة اليهودية بطرب الآلة إلى جانب “البيوطيم” أو ما يسمى بالإنشاد الديني العبري.

[1] -عبد الحميد بن خويا الموسيقى اليهودية المغربية بين البارحة واليوم، مجلة نساء من المغرب العدد الثالث ستنبر 2011

2- سارة الرايس، محاولة احياة التراث اليهودي المغربي، UNBLOCK  الأحد 19 يوليوز 2016.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!