هل كل ما يكتب يعد صحافة ؟

0

 مليكة بوخاري / القنيطرة

تطور تكنولوجي هائل شهده العالم احدث ثورة معلوماتية أفرزت خلطا كبيرا و خطيرا في الوضع الإعلامي اختلطت فيه المفاهيم و سقطت جمالية الفن الصحافي من جبل التميز و الرفعة التي كان يحتلها إلى مستوى الاسترزاق و البحث عن المحفزات المادية بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة و الإثارة .
ربما انه من الأخطاء القاتلة التي سادت الساحة الكونية هو الخلط في المفاهيم ما بين الصحافة المهنية بقواعدها الاحترافية و ما عرف بصحافة المواطن و الصحافة التشاركية ، أو العامة أو ما يطلق عليها اسم صحافة الشارع أو الصحافة الشعبية.
مصطلح ارتبط بأعضاء عامين نشطين يلعبون دورا هاما في عملية جمع وتحليل ونقل ونشر المعلومات والأخبار و خاصة على شبكات الإنترنت. وقد كان التحول الأبرز على المستوى الإعلامي لهذه الصحافة قد حدث في العقد الأخير، و ظهورها كشكلٍ حديث من أشكال الصحافة غير المهنية، و يرى الدكتور (جمال الزرن) “أنّ صحافة المواطن هو مصطلح إعلامي واتصالي في ذات الوقت، وهذا المصطلح على المستوى التاريخي يعتبر حديث النشأة، وهو مفهوم غير مستقر ؛ حيث أن صحافة المواطن تشخص عند البعض على أنها (إعلام المواطن)، ويرى الدكتور أنها تعتمد على عددٍ من النقاط، هي شبكة التواصل الاجتماعي التي تعتبر فضاءً للنشر والتعبير عن الرأي. وحضور هذا المواطن في القضايا التي تخصّ الشأن العام. فيما يرى الدكتور (الياس البياتي) “أنّ كل مواطن هو صحفي صاعد؛ حيث انه يتحكّم في زمن الأحداث ووقعها على المتلقي فمثلا وكالات الأنباء لن تتمكن من نشر مراسليها في كافة الأحياء والشوارع، الأمر الذي حول ظاهرة صحافة المواطن إلى ظاهرةٍ غير قابلة للتجاهل”.
هذا الوضع المفهومي أنتج خلطا كبيرا يضاف إليه الطابع الاسترزاقي فأصبحنا أمام أشباه أعلام و ليس إعلام بديل حقيقي و فعلي و قد ربطها باحثون بفترة إعصار تسونامي سنة 2004 ؛ حيث قام مواطنون بنقل معلومات و صور التقطوها من عين المكان.
وضع أنتج نمطا مما عرف سابقا بصحافة الرصيف مضافا إليها الاسترزاق كوسيلة من وسائل الحصول على الأموال بعيدا عن الحصول على دقة و موضوعية المعلومات المحصل عليها اعتمادا على مصادر مؤكدة و مضبوطة لفائدة نشاط نمط صحافي حاول مجاراة هذا النوع من خلال العناوين الاثارية الفاقدة لمصداقية علاقة العنوان بالجسم الخبري بغية الحصول على المردود المادي و النفعي المباشر ليس إلا .
وضع اتلف القواعد الأساسية للعمل الصحافي فأصبحنا ليس أمام خلق رأي عام حول قضايا معينة بل حول جمع الرصيد عبر كل قيم التفاهة و الاسترزاق.
فالأخبار الكاذبة جذابة أكثر من الحقيقية، وتنتشر بشكل أسرع ففي دراسة قام بها باحثون بمختبر الإعلام في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تضمنت متابعة أكثر من 100 ألف تغريدة لوسائل الإعلام المُختلفة، كشفت أن الأخبار الكاذبة تنتشر بمعدل يفوق انتشار الأخبار الصحيحة بحوالي 6 مرات، والدليل على ذلك أنك إذا أردت أن تنتشر قصة ما بشكل سريع أو ما يعرف بـ “الانتشار الفيروسي”، خاصة إذا كانت سياسية بطبيعتها، ما عليك سوى أن تلعب على وتر المشاعر السلبية، وأن تثير الرعب والفزع لدى المُتلقين، وبهذا تكون قد أصبت الهدف.
فكيف يمكن التمييز بين الحقيقي والمزيف من المعلومات ، وهو ما يزداد يوما بعد يوم بفضل التطور التكنولوجي الهائل، وانتشار الآلاف من المواقع والمنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، بحيث أصبحت مصادر الأخبار الكاذبة الآن تتشابه بشكل كبير مع مصادر الأخبار الحقيقية، بشكل بات يهدد مصداقية الصحافة ككل.
الوضع الراهن افرز إشكالا كبيرا لدى كل الصحافيين المهنيين فسلك الكثيرون طريق التحدي المشروع في الحصول على السبق الصحافي فأصبح هاجسهم هو الحصول على السبق الصحافي بعيدا حتى عن المهنية ، أصبحت قدرة الصحافي على معرفة المعلومة وسرعة جمع عناصر الخبر ومصادره الموثوقة وإرسالها للمؤسسة عملاً مضنياً يقابله سرعة انتشار الخبر سواءً عبر مواطن صحافي استطاع نقل المعلومة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي فأصبحت بذلك صحافة المواطن اليوم تشكل تحدياً كبيراً أمامهم مما تطلب منهم جهداً مضاعفاً لإبراز اختلاف طبيعة عملهم وطرحهم لمحتواهم الصحافي. ربما
وجدت وسائل الإعلام طريقة الإنفوجرافيك والمحتوى التفاعلي ذات الوسائط المتعددة بالإضافة إلى الفيديوهات والصور وغيرها كبدائل تربح التحدي . وكان هذا الرد الأنسب من الصحافة المحترفة لكافة فنون وقنوات التواصل الاجتماعي التي استباحت شاشات الجمهور الصغيرة.
ربما هذا الوضع يدفعنا إلى الرجوع إلى مفهوم الصحافة الصفراء التي ظهرت كمصطلح عام 1896 ليصف الأساليب المستخدمة في المنافسة الشرسة بين صحيفتين من صحف نيويورك، وهما نيويورك وورلد، ونيويورك جورنال- أميركان حيث بدأ الأمر حين اشترى الصحفي والناشر الأميركي المجري جوزيف بوليتزر صحيفة نيويورك وورلد عام 1883، مستخدمًا أسلوب التقارير المثيرة في تناوله للقضايا المطروحة، لتصبح نيويورك وورلد الأكثر توزيعا في البلاد بين الصحف الأخرى. والقالب الأكثر استخدامًا كان رسومات (الطفل الأصفر) و الذي أطلق عليه اسم ميكي دوغان و كان يرتدي رداء أصفر، أذناه كبيرتان، أسنانه بارزة للأمام، ورأس لا مثيل لها!
اشتدت وتيرة المنافسة بين بوليتزر وهيرست في (معركة الطفل الأصفر) والذي أصبح يمثل الاتجاه نحو انخفاض النزاهة الصحافية، سواء من قبل صحيفة نيويورك وورلد أو جورنال و هو ما دفع (إرفين ووردمان) محرر (نيويورك بريس) حينها إلى تسميتها بالصحافة العارية.
فنحن بالفعل أمام صحافة عارية تستميل غباء المتلقي بأوسخ الطرق لجدب النقرة على حساب المفهوم الأصلي للإعلام و دوره في المجتمع فما أوسخه و أقدره من دور .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!