جمعية تفعيل المبادرات بتازة تتربع على قمة هرم الجمعيات العاملة في مجال حماية النساء والأطفال ضحايا العنف

0

جمال بلـــة

نظمت جمعية تفعيل المبادرات بتازة بشراكة مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، يوم 21 دجنبر 2019 بقاعة المديرية الجهوية للصناعة التقليدية بتازة، ندوة علمية تحت عنوان ” تعديل المادة 175 بإقرار عدم سقوط الحضانة عن الأم رغم زواجها ” وهي المحطة الثالثة من سلسلة الورشات التي سبق للجمعية أن نظمتها متعلقة بتعديل المادة 49 والمادة 53 من مدونة الأسرة، بهدف التفكير في سبل وآليات التدبير الجيد للقضايا الخلافية، وبعض القضايا المرتبطة بمدونة الأسرة، بإشراك مختصين في القانون، وفعاليات المجتمع المدني، في تدبير النقاش وإغنائه للخروج بمقترحات وتوصيات سيكون لها بالغ الأثر بالنسبة لمسار تعزيز حقوق الإنسان بالمملكة المغربية، لتكون بذلك تتربع على قمة هرم الجمعيات العاملة في مجال حماية النساء والأطفال وضحايا العنف.

تميزت الندوة، ببرنامج تضمن محموعة من العروض جاءت على الشكل التالي:

–       العرض الأول للأستاذ عبد العزيز المنصوري قاضي بقسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بتازة يتمحور حول : الحضانة بين مدونة الأسرة والاتفاقيات الدولية.

–   العرض الثاني للأستاذ جواد الهروس مشرف على قسم قضاء الأسرة  بالمحكمة الابتدائية بتازة يتمحور حول سقوط الحضانة عن الأم المتزوجة بين مقصد التشريع و إشكالات التنفيذ.

–  العرض الثالث للأستاذ جمال الخمار باحث في الكلية المتعددة التخصصات  بتازة يتمحور حول الدفع بعدم إسقاط الحضانة لزواج الأم الحاضنة.

–       العرض الرابع للأستاذ عياد أبلال باحث في علم الاجتماع وأستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية و التكوين بتازة يتمحور حول حضانة الأم في مدونة الأسرة بين الاستحقاق القانوني و السوسيولوجي نحو تجويد المادة 175.

إن ضرورة تغيير مدونة الأحوال الشخصية جاء ليؤكد على دلالة حدة الجدل القائم بين الواقع والقانون وإبراز دور القانون في التأثير على الواقع الاجتماعي باعتباره كذلك يماشي الواقع، ومدونة الأسرة الجديدة اتسمت بالانفتاح على محيطها العالمي والجهوي والمحلي في سياقها الواقعي والتاريخي والمجتمعي لتؤسس لثقافة جديدة داخل الأسرة المغربية دون إغفال هويتنا وثقافتنا وخصوصياتنا التاريخية.

كما أن اعتبار قضايا الأسرة قانونا وضعيا بدخولها كنص قانوني قبة البرلمان قد رفع عنها القدسية حيث استلهمت العمق الحضاري للمحيط العالمي والواقع المعيشي الذي يمس كل مكونات الأسرة المغربية بسبب الاحتكام إلى الإطار العالمي الذي أصبح المغرب إثره ملزما باحترام الاتفاقيات الدولية.

فالمشرع حماية منه لأطفال الطلاق أخضع الطلاق للمسطرة القضائية، وأوكل للقضاة مهمة حماية حقوق الطفل مراعيا في ذلك مصلحتهم الفضلى، وخص هذه المصلحة بمجموعة من المقتضيات التي تضمن حماية الطفل، فألزم القضاء على تكرار محاولة الصلح بين الزوجين في حالة وجود أطفال، كما يجب أن يتضمن طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق، عدد الأطفال إن وجدوا وسنهم ووضعهم الصحي والدراسي، و منع الخلع بشيء تعلق به حق الأطفال، ومنح المحكمة سلطة اتخاذ التدابير المؤقتة التي تراها مناسبة للزوجة والأطفال تلقائيا، أو بناء على طلب، وتنسجم هذه المقتضيات مع ما نصت عليه الكثير من مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي تؤكد ضرورة استحضار المصلحة الفضلى للطفل واتخاذ التدابير اللازمة لحمايته، و” لمصالح الطفل الفضلى ” يبقى هذا المجال واسعا للقضاء المغربي لكي يقوم بدوره الكامل في تفعيل هذه المقتضيات لحماية أطفال الطلاق مستحضرا في ذلك مصلحتهم الفضلى.

أثيرت الإشكاليات المرتبطة بموضوع الندوة ” المتعلق بتعديل المادة 175 بإقرار عدم سقوط الحضانة عن الأم رغم زواجها “، انطلاقا من مجموعة من المحاور، تناولت “آثار الأحكام في المادة الأسرية وآثار الطلاق على الأطفال داخل وخارج المغرب على ضوء الاتفاقيات الدولية” من خلال مداخلات ومناقشات ساهم فيها الحضور، وكان لافتا للانتباه تركيز النقاشات، بشكل كبير على مطالبة شريحة من المشاركين بــــ”بتعديل” أو “إلغاء” المادة 175 وعدد من مواد مدونة الأسرة، وسد النواقص بها مع التوسع في التطرق للإشكاليات المرتبطة بازدواجية المرجعية المتحكمة في ميدان الأسرة واختلافها بين الأنظمة ذات المرجعيات الدينية والأنظمة العلمانية، وما يفرزه الوضع بالنسبة للأسر المغربية في دول الاستقبال، التي تعيش تأرجحا بين هاجس الحفاظ على هويتها وثقافتها الوطنية التي يعكسها تطبيق القانون الوطني المغربي على أحوالهم الشخصية من جهة، وسياسة الإدماج والاستيعاب التي تمارسها سلطات بلد الإقامة من خلال إحلال قانون الإقامة والموطن محل القانون الوطني كضابط للإسناد في المسائل الأسرية، من جهة أخرى.

وأظهرت وجهات النظر المعبر عنها من طرف مختلف المتدخلين أن اختيار جمعية تفعيل المبادرات تازة برئاسة الأستاذة أمال العزوزي لموضوع هذه الندوة كان صائبا تضمن مزاوجة رمت من جهة، إلى استحضار آفاق تطبيق نص المدونة في الخارج وداخل المغرب، وقدرته على الصمود، ومن جهة أخرى، الكشف عن موقف القضاء المغربي بخصوص آثار الأحكام الصادرة عن محاكم وسلطات دول الاستقبال الإدارية في موضوع الأسرة.

والندوة كانت ناجحة بإمتياز، كما أن النقاش كان في مصلحة المرأة والطفل وهذا لا يعني هضم حق الرجل، وأهم المناقشات التي ميزت أشغال الندوة، تناولت عدد من القضايا التي تخلق مشاكل داخل المحاكم المغربية وعلى مستوى القانون المغربي وإرتباطها بالمادة 175 من مدونة الاسرة، ومن شأن الأفكار التي تم طرحها تطوير وتجويد مضامين مدونة الأسرة، التي يتعين عليها أن تساير الأحداث والتحولات، من منطلق أن “القانون هو ابن بيئته”، وبالتالي فــ”لا بد من مراجعة ما ظهر أنه في حاجة للمراجعة”.

اختتمت فعاليات أشغال الورشات بتنظيم جمعية تفعيل المبادرات بتازة للمحطة الثالثة من سلسلة الورشات بشراكة مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، على إيقاع ارتياح معبر عنه من قبل المنظمين والمشاركين، بالتدخلات والنقاشات التي ميزت الندوة، والتي كان لها، حسب المنظمين، بالغ الأثر في صياغة توصيات من شأنها أن تساهم في التخفيف من عبء المشاكل، التي يواجهها المغاربة، داخل المغرب وفي دول المهجر، من منطلق أن “معيار نجاح أي نص مثل قانون الأسرة لا يتوقف بالضرورة على ملامسته للإشكالات ذات الطبيعة الوطنية، بل بقدرته على الانسجام والصمود أمام أي اختبار لمقتضياته داخل الأنظمة القانونية الأجنبية”.

وقد حاولت السيدة أمال العزوزي رئيسة جمعية تفعيل المبادرات بتازة رفقة المجتمع المدني وباقي الفاعلين المعنيين المشاركين بالندوة من خلال نقاشات تراعي الاختلاف في وجهات النظر والتنوع الفكري وتعدد الآراء، رصد لأهم الإشكاليات التي تطرحها المادة 175 وبعض مواد مدونة الأسرة المغربية، دون أن يغفل دور القضاء في تفعيلها على مستوى الواقع مستدلين بأهم القرارات والأحكام القضائية في الموضوع.

وإذا كان كل من أحكام الحضانة تتميز بطابع سوسيولوجي، يؤثر بشكل أو بآخر على المجتمع سواء في الحاضر أو المستقبل، خصوصا وأنها تتعلق بالطفل والمرأة والأسرة بشكل عام، فإن الواقع اليومي أثبت أن محنة الطفل والأسرة لا تكمن في النصوص القانونية أو الشرعية ” رغم أهميتها ” بقدر ما تكمن في المسطرة والتطبيق، الذي يطرح إشكالا على مستوى القضايا التي تتطلب التعجيل في تنفيذها، وأيضا على مستوى الثقافة السائدة في المجتمع والتي تحتاج إلى جهد كبير لإعادة تشكيلها وفق الإسلام والقيم الإنسانية النبيلة في التعامل مع المرأة والأسرة بل وفي التعامل مع كل مكونات الكون، ولذلك ألح كثير من الخبراء والمهتمين على أن تجسيد إيجابيات مدونة الأسرة وتطبيقها بشكل جيد رهين بالتقاء إرادة المشرع وإرادة القضاء وكل المهتمين بالمجال.

وعموما فإن نصوص مدونة الأسرة رغم ما بدل فيها من جهد جبار يشكر لأهله، فإن معظم مقتضياتها جاءت تتأرجح بين الجيد والمقبول والناقص المطلوب تعديله، لكن تبقى الممارسة القضائية هي الكفيلة بإبراز ما ينبغي مراجعته وتعديله عند الاقتضاء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: عفوا هدا المحتوى محمي !!