إعادة صياغة المادة 49 لتتضمن مفهوم الكد والسعاية موضوع ندوة علمية من تنظيم جمعية تفعيل المبادرات بتازة
جمال بلــــة
لم يكن محض الصدفة اختيار موضوع الندوة العلمية الذي نظمتها جمعية تفعيل المبادرات بتازة بشراكة مع وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، يوم 27 نونبر 2019 بقاعة المديرية الجهوية للصناعة التقليدية بتازة، تحت عنوان ” إعادة صياغة المادة 49 لتتضمن مفهوم الكد والسعاية “، من تأطير ألمع الأساتذة في المجال، وإنما جاء على خلفية فتح نقاش علمي وأكاديمي حول قضايا الأسرة مع محاولة التحسيس بها، وتشخيصها من أجل الخروج بحلول فعلية تنضاف إلى جهود المهتمين بالشأن القانوني والتشريع المغربي.
من خلال المداخلات حسب برنامج الندوة
– العرض الأول لأستاذ عبد الكريم الخطابي نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتازة يتمحور حول ” نظام تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين من خلال العمل القضائي ”
– العرض الثاني لأستاذ جمال الخمار باحث في الكلية المتعددة التخصصات بتازة، يتمحور ” حول حدود تضمين مفهوم الكد والسعاية في المادة 49 من مدونة الأسرة “.
– العرض الثالث لأستاذة ربيعة مرضي الناشطة الحقوقية والفاعلة الجمعوية يتمحور حول ” إعادة صياغة المادة 49 لحماية الحقوق الإنسانية للنساء “.
- مداخلة استاذ جواد الهروس مشرف على قسم قضاء الاسرة تحت عنوان ” تدبير الاموال المشتركة المكتسبة اثناء الحياة الزوجية المادة 49 من مدونة الأسرة ملاحظات واشكاليات “
يتضح أن المشرع قد أقر نظاما قانونيا لإدارة وتدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين خلال الحياة الزوجية، حيث تم التطرق لما تكرسه مدونة الأسرة من حماية قانونية وقضائية لمؤسسة الأسرة، بمختلف مكوناتها، على أسس من العدل، والمساواة، ومراعاة لمقاصد الشريعة الإسلامية وأحكامها، وتضمنت هذه المدونة مجموعة من المقتضيات الجديدة، كان من أهمها معالجتها لمسألة التدبير المالي للأموال المكتسبة بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية، سواء في حالة الاتفاق أوغيابه، وذلك من خلال المادة 49 التي نصت على أن لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعه، يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، ويقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بمقتضات 49.
أما في حالة غياب اتفاق مسبق بين الزوجين خلال الحياة الزوجية، فإنه حسب المادة 49 من قانون الأسرة يكون التركيز موجها بدرجة أكبر عند تقسيم ممتلكات الزوجية إلى المساهمات المالية في الملكية المكتسبة أثناء الزواج، بينما ينتقص من قدر الإسهامات الأخرى، مثل تربية الأطفال ورعاية الأقرباء وأداء الواجبات المنزلية، وهذه الإسهامات ذات الطابع غير مالي التي تقدمها الزوجة، كثيرا ما تمكن الزوج من كسب الدخل ومن زيادة الأصول المالية، مما يستوجب من المشرع المغربي القيام بتدارك النقص التشريعي وحماية الأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية، وإعطاء الإسهامات المالية وغير المالية نفس الوزن، عند غياب اتفاق مسبق بين الزوجين، والعمل على توفير النصوص القانونية التي تضمن الحماية من التدليس أو التحايل الذي يقوم به أحد طرفي العلاقة الزوجية والإقتداء بالنهج الذي سار عليه التشريع لدول الغرب من خلال فرض عقوبات مدنية وجنائية عند الاقتضاء.
ويقارب قانون الأسرة المغربي على ضوء قضايا الأسرة بين الدين والقانون، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وهي مزاوجة تروم، من جهة، استحضار آفاق تطبيق النص القانوني، وقدرته على الصمود، ومن جهة أخرى، الكشف عن موقف القضاء المغربي بخصوص آثار الأحكام الصادرة عن محاكم وسلطات دول العالم في المادة الأسرية والدين، كما استحضر دور الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة بالميدان الأسري وتعارضها مع الدين الإسلامي، والتطلع لإيجاد حلول لبعض الإشكالات المستعصية، والتوفيق بين مختلف الأنظمة القانونية المتباينة، سواء تلك المبرمة على الصعيد الثنائي المغربي ودول العالم، أوالمتعددة الأطراف.
وفي سياق عنوان ” إعادة صياغة المادة 49 لتتضمن مفهوم الكد والسعاية ” تطرق السادة مأطري الندوة العلمية إلى الإجتهادات القضائية في حق الكد والسعاية على إعتبار أنه آلية قانونية عرفية تضمن الحق للأفراد المساهمين في تكريس الثروة الأسرية أو تنميتها، مع إمكانية المطالبة بحقوقهم المالية المترتبة عن مساهمتهم في تلك الثروة من المفاهيم القانونية التي بدأت تعرف اهتماما ملحوظا ما قبل العديد من المنشغلين بقضايا الأسرة ونظامها المالي.
وعلى الرغم من أن هذا المفهوم كان مكرسا على مستوى الممارسة العرفية المرتبطة ببعض المناطق بالمملكة منذ زمن غير يسير، إلا أن ذلك ظل مفهوما ضبابيا يكتنفه الكثير من الغموض، بحيث أنه قبل دخول مدونة الأسرة حيز الوجود كانت الأموال التي اكتسبت بين الأزواج تخضع للعرف وبتالي تعامل معها الاجتهاد القضائي بمفهوم الكد والسعاية.
وحصيلة العمل القضائي في موضوع الكد والسعاية تبقى لصيقة بمنطقة سوس في حين أنه في باقي المناطق فهو مطبق بشكل قليل، إلا أنه بعد صدور مدونة الأسرة أصبح العمل القضائي يتعامل معها على أساس الأموال المكتسبة بين الزوجين خلال الحياة الزوجية وكل ما نص عليه المشرع المغربي في المادة 49 من مدونة الأسرة، وما يلاحظ على مستوى العمل القضائي هناك تضارب في الأحكام والقرارات يصل في بعض الأحيان إلى تضارب في نفس المحكمة، بحيث انقسم القضاء المغربي حول نطاق المطالبة بهذا الكد والسعاية، فهناك من قصره على عمل المرأة البدوية وعلى العمل البدائي، فإن البعض الأخر قد اتجه إلى القول بشموله حق المرأة بالمدينة متجاوز فكرة ربط هذا الحق بالعمل بالزرع والحصاد وغيرها من أعمال البادية، وكذلك الأمر عليه بالنسبة للاستحقاق الزوجة مقابل الأعمال التي تقوم بها في المنزل حيث نجد عمل قضائي مؤيد وأخر معارض.
ومن خلال ما سبق تتضح أهمية الموضوع النظرية في إعطاء نظرة تقيمية للعمل القضائي لمعرفة هل استوعب فعلا فلسفة التي جاءت من أجلها المادة 49 وهو إعطاء السعاة حقهم في الأموال التي ساهموا بجهدهم في تنميتها، أما بالنسبة للأهمية العملية أين يتجلى الاختلاف والتضارب في العمل القضائي بخصوص حق الكد والسعاية.
وأمام هذا الوضع، بات لزاما على المشرع المغربي خلق آليات جديدة ونهج سياسة أكثر انفتاحا من أجل التعامل مع الظروف المستجدة، بالشكل الذي يراعي الإكراهات، ويسهم في ضمان استمرار الوضعيات القانونية بشكل انسيابي، ودون عراقيل.
ولم تخل المداخلات من إثارة لبعض القضايا التي تدخل في صميم الموضوع كانت فرصة لمزيد من التوضيح والبيان، ظهر بعدها أن الندوة العلمية كانت ناجحة بإمتياز، وأدت أدوارها في إشراك الحاضرين في قضايا اعتبرها المتدخلون رافعة للمجتمع نحو مزيد من الرقي والنماء، مما ساهم في الخروج بمجموعة من الاقتراحات والتوصيات العملية التي يسعى من خلالها كل المتدخلين إعادة صياغة المادة 49 لتتضمن مفهوم الكد والسعاية.
ويبقى الإشكال المطروح إلى أي حد استطاع القضاء المغربي التطبيق السليم لأحكام المادة 49 لتتضمن مفهوم الكد والسعاية؟